سلام كريم ، طيب بر عميم ، يخص أخوّتكم الفضلى ، وإمارتكم التي آثار فضلها بحول الله تتلى ، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله على ما كيف من ألطافه المشرقة الأنوار ، ويسّره لهذه الأوطان بنصرته من الأوطار ، فكلما دجت بها (١) شدة طلع الفرج عليها طلوع النهار ، وكلما اضطرب منها جانب أعاده بفضل الله تعالى من أقامه لذلك واختاره إلى حال السكون والقرار ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله المصطفى المختار ، الذي أكد عليه جبريل صلوات الله عليه حقّ الجوار ، حتى كاد يلحقه بالوسائل والقرب الكبار ، الذي وصانا بالالتئام ، واتصال اليد في نصرة الإسلام ، فنحن نقابل وصاته (٢) بالبدار ، ونجري على نهجه الواضح الآثار ، ونرتجي باتباعه الجمع بين سعادة هذه الدار وتلك الدار (٣) ، والرضا عن آله وأصحابه ، وأنصاره وأحزابه ، أكرم الآل والأصحاب والأحزاب والأنصار ، الذين كانوا كما أخبر الله تعالى عنهم على لسان الصادق الأخبار «رحماء بينهم أشدّاء على الكفار» (٤) والدعاء لإمارتكم السعيدة بالتوفيق الذي تجري به الأمور على حسب الاختيار ، والعز المنيع الذّمار (٥) ، والسعد القويم المدار ، والوقاية التي يأمن بها أهلها من الشرار ، فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم أسنى ما كتب للأمراء الأرضياء الأخيار ، ومتعكم من بقاء والدكم بالعدة العظمى والسيرة الرحمى والجلال الرفيع المقدار ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوضح برهانه إلا ألطاف باهرة ، وعناية من الله تعالى باطنة وظاهرة ، وبشارة بالقبول واردة وبالشكر صادرة ، والله تعالى يصل لدينا نعمه ، ويوالي فضله وكرمه ، وإلى هذا فإننا اتصل بنا في هذه الأيام ما كان من عناية والدكم محلّ أبينا أبقاه الله تعالى بهذه البلاد المستندة إلى تأميل مجده ، وإقطاعها الغاية التي لا فوقها من حسن نظره وجميل قصده ، وتعيينكم إلى المقام بجبل الفتح إبلاغا في اجتهاده الديني وجدّه ، فقلنا : هذا خبر إن صدق مخبره ، وتحصل منتظره ، فهو فخر تجددت أثوابه ، واعتناء تفتحت أبوابه ، وعمل عند الله تعالى ثوابه ، فإن الأندلس عصمها الله تعالى وإن أنجدته عدده وأمواله ، ونجحت في نصرها مقاصده الكريمة وأعماله ، لا تدري موقع النظر لها من نفسه ، وزيادة يومه في العناية
__________________
(١) دجت : أظلمت.
(٢) الوصاة : الوصية. والبدار : المبادرة والمسارعة.
(٣) هذه الدار : أي الدنيا. وتلك الدار : أي الآخرة.
(٤) الآية الكريمد رقم ٢٩ سورة الفتح (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
(٥) المنيع : الحصين. والذمار : كل ما يلزم الإنسان حفظه والدفاع عنه.