بأوفر حصّة ، وغدت سمته به صفة مختصة ، فيما يمح (١) رسم القضاء ، ولم يتّسم بسمة الملك مع ذلك النفوذ والمضاء ، وما زال يحمي حوزته ، ويجلو عزته (٢) ، حتى حوته الرجام ، وخلت منه تلك الآجام ، وانتقل الملك إلى ابنه المعتضد ، وحل منه في روض نمّق له ونضد ، ولم يعمر فيه ولم يدم ولاه ، وتسمى بالمعتضد بالله ، وارتمى إلى أبعد غايات الجود بما أناله وأولاه ، لو لا بطش في اقتضاء النفوس كدّر ذلك المنهل ، وعكر أثناء ذلك صفو العل والنّهل (٣) ، وما زال للأرواح قابضا ، وللوثوب عليها رابضا ، يخطف أعداءه اختطاف الطائر من الوكر ، وينتصف منهم بالدهاء والمكر ، إلى أن أفضى الملك إلى ابنه المعتمد ، فاكتحل منه طرفه الرّمد ، وأحمد مجده ، وتقلد منه أيّ بأس ونجدة ، ونال به الحق مناه ، وجدّد سناه (٤) ، وأقام في الملك ثلاثا وعشرين سنة ، لم تعدم له فيها حسنة ولا سيرة مستحسنة ، إلى أن غلب على سلطانه ، وذهب به من أوطانه ، فنقل ، إلى حيث اعتقل ، وأقام كذلك إلى أن مات ، ووارته تربة أغمات (٥) ، وكان للقاضي جده أدب غض ، ومذهب مبيض ، ونظم يرتجله كل حين ، وينفثه (٦) أعطر من الرياحين ، فمن ذلك قوله يصف النيلوفر : [البسيط]
يا ناظرين لذا النّيلوفر البهج |
|
وطيب مخبره في الفوح والأرج (٧) |
كأنّه جام درّ في تألّقه |
|
قد أحكموا وسطه فصّا من السّبج (٨) |
انتهى المقصود منه.
وهو ـ أعني الفتح ـ يشيد قصور الشرف إذا مدح ، ويهدم معاقلها إذا هجا وقدح.
ومن أغراضه قوله في «المطمح» في حق الأديب أبي جعفر بن البنّي : رافع رايات القريض ، وصاحب آيات التصريح والتعريض ، أقام شرائعه ، وأظهر بدائعه ، إذا نظم أزرى بالعقود ، وأتى بأحسن من رقم البرود ، وكان أليف غلمان ، وحليف كفر لا إيمان ، ما نطق متشرعا ، ولا رمق متورعا ، ولا اعتقد حشرا ، ولا صدق بعثا ولا نشرا ، وربما تنسك مجونا
__________________
(١) في ب «فلم يمح رسم».
(٢) في ب ، ه «ويجلو غرّته».
(٣) في ه «وتصدر أثناء ذلك العل والنهل» وفي المطمح «وتصور».
(٤) في ه «وندى به لحق مناه ، وجزر سنه» وفي ب «وجرّ رسنه».
(٥) في ب ، ه «ووراته بربّة أغمات».
(٦) في ب ، ه «ويبعثه».
(٧) في ه «يا ناظرين ندى النيلوفر».
(٨) الجام : إناء من فضة كالكأس ، والسبج : خرز أسود.