أن يحصن سفح الجبل بسور محيط به من جميع جهاته حتى لا يطمع عدو في منازلته ، ولا يجد سبيلا للتضييق عند محاصرته ، ورأى الناس ذلك من المحال ، فأنفق الأموال ، وأنصف العمال ، فأحاط بمجموعه إحاطة الهالة بالهلال ، وأما بناؤه للمحاسن والطوالع فأمر غير مجهول ، اه.
وقد رأيت أن أذكر هنا بعض إنشاء لسان الدين بن الخطيب في شأن ما يتعلق بجبل الفتح وغيره من بلاد الأندلس ، وحال العدو الكافر ، وما ينخرط في هذا السلك : فمن ذلك على لسان سلطانه يخاطب به أحد السلاطين من أولاد السلطان أبي الحسن المريني ، ونصه :
المقام الذي يصرخ وينجد (١) ، ويتهم في الفضل وينجد (٢) ، ويسعف ويسعد ، ويبرق في سبيل الله ويرعد ، فيأخذ الكفر من عزماته المقيم المقعد ، حتى ينجز من نصر الله تعالى الموعد ، مقام محل أخينا الذي حسن الظن بمجده جميل ، وحدّ الكفر بسعده كليل ، وللإسلام فيه رجاء وتأميل ، ليس للقلوب عنه مميل ، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى وعزمه الماضي لصولة الكفر قامعا ، وتدبيره الناجح لشمل الإسلام جامعا ، وملكه الموفّق لنداء (٣) الله مطيعا سامعا ، معظم مقداره ، وملتزم إجلاله وإكباره ، المعتدّ في الله بكرم شيمته وطيب نجاره ، المستظهر على عدوّ بإسراعه إلى تدمير الكافر وبداره.
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد حمد الله مجيب دعوة السائل ، ومتقبل الوسائل ، ومتيح النعم الجلائل ، مربح (٤) من عامله في هذا الوجود الزائف الزائل ، والأيام القلائل ، بالمتاع الدائم الطائل ، والنعيم غير الحائل (٥) ، ومقيم أود الإسلام المائل ، بأولي المكارم من أوليائه والفضائل ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله المنقذ من الغوائل ، المنجي من الرّوع الهائل ، الصادع بدعوة الحق الصائل ، بين العشائر والفصائل ، الذي ختم به وبرسالته ديوان الرسل والرسائل ، وجعله في الأواخر شرف الأوائل ، فحبه كنز العائل ، والصلاة عليه زكاة القائل ، والرضا عن آله وصحبه وعترته وحزبه تيجان الأحياء والقبائل ، المتميزين بكرم السجايا وطيب الشمائل ، والدعاء لمقام أخوّتكم في البكر والأصائل ، بالسعد الصادق المخايل ، والصنع الذي تتبرج مواهبه تبرج العقائل ، والنصر الذي تهز له الصّعاد (٦)
__________________
(١) يصرخ : يغيث ، وينجد هنا بمعناه.
(٢) ينجد : هنا يدخل نجدا ، ويتهم : يدخل تهامة.
(٣) في ه «لدين الله».
(٤) في أصل ه «مريح».
(٥) الحائل : الزائل.
(٦) الصعاد : جمع صعدة ، وهي القناة المستوية المستقيمة.