الحرة من الكسوة ما يجل قدره ، وقيل لها أن تملي ما تحتاج إليه ولا يعوزها شيء ، وإنما تريد عناية السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا ، فتقدم السلطان إلى النشو وإلى الأمير أحمد أقبغا بتجهيزها اللائق بها ، فقاما بذلك ، واستخدما لها السقائين والضوية (١) ، وهيّآ كل ما تحتاج إليه في سفرها من أصناف الحلاوات والسكر والدقيق والبقسماط ، وطلبا الحمالة لحمل جهازها وأزودتها ، وندب السلطان للسفر معها جمال الدين متولي الجيزة ، وأمره أن يرحل بها في مركب لها بمفردها قدام المحمل (٢) ، ويمتثل كل ما تأمر به ، وكتب لأميري مكة والمدينة بخدمتها أتم خدمة.
وقال في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ما نصه : وفي نصف شعبان قدمت الحرة أخت صاحب المغرب في جماعة كثيرة ، وعلى يدها كتاب السلطان أبي الحسن يتضمن السلام ، وأن يدعو له الخطباء في يوم الجمعة ومشايخ الصلاح وأهل الخير بالنصر على عدوهم ، ويكتب إلى أهل الحرمين بذلك ، وذلك أن في السنة الخالية كانت بينه وبين الفرنج وقعة عظيمة قتل فيها ولده ، ونصره الله تعالى بمنه على العدو ، وقتل كثيرا منهم ، وملكوا منهم الجزيرة الخضراء ، فعمر الفرنج مائتي شيني (٣) ، وجمعوا طوائفهم ، وقصدوا المسلمين ، وأوقعوا بهم على حين غفلة ، فاستشهد عالم كثير ، ونجا أبو الحسن في طائفة من ألزامه بعد شدائد ، وملك الفرنج الجزيرة ، وأسروا وسبوا وغنموا شيئا يجل وصفه ، ثم مضوا إلى جهة غرناطة ، ونصبوا عليها مائة منجنيق حتى صالحهم على قطيعة يقومون بها ، وتهادنوا مدة عشر سنين ، ا ه كلامه.
وقد تقدم نص هذا الكتاب الموجه من السلطان أبي الحسن فليراجع قريبا.
وقال ابن مرزوق في «المسند الصحيح الحسن» بعد كلام ما ملخصه : وكان يعني السلطان أبا الحسن ـ مجتهدا في الجهاد بنفسه وحرمه ، وجاز للآندلس برسم ذلك بنفسه ، وأظهر آثاره الجميلة ، ومنها ارتجاع جبل الفتح ليد المسلمين بعد أن أنفق (٤) عليه الأموال ، وصرف (٥) إليه الجنود والحشود ، إذ كان من عمالته هو والجزيرة ورندة ، ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه وضيقوا به إلى أن استرجعوه ليد المسلمين ، وأنفق على بنائه أحمال مال ، واعتنى بتحصينه ، وبنى حصنه وأبراجه وسوره وجامعه ودوره ومخازنه ، ولما كاد يتم ذلك نازله العلو برا وبحرا ، فصبر المسلمون صبر الكرام ، فخيب الله تعالى أمل العدو ، وعاد خاسرا (٦) ، والمنة لله ، فرأى
__________________
(١) في ه «والضوئية».
(٢) قدام المحمل : أمام المحمل.
(٢) قدام المحمل : أمام المحمل.
(٣) في ه «شيتي».
(٤) في بعض النسخ «انفقوا ... وصرفوا».
(٥) في بعض النسخ «انفقوا ... وصرفوا».
(٦) في ه «وصار خاسرا».