وحكى الأستاذ ابن غازي أنهم اختلفوا : هل يقال : كان ما ذا أم لا؟ وقال : إنّ الأستاذ ابن أبي الربيع تطفّل على مالك بن المرحّل في الشعر ، كما أنّ ابن المرحّل تطفّل عليه في النحو ، قال : ومن نظم مالك بن المرحل في هذه القضية : [مجزوء الرمل]
عاب قوم كان ما ذا |
|
ليت شعري كان ما ذا |
إن يكن ذلك جهلا |
|
منهم فكّان ما ذا |
ومن نظم ابن حبيش المذكور قوله : [الوافر]
إذا ما شئت أن تحيا هنيّا |
|
رفيع القدر ذا نفس كريمه |
فلا تشفع إلى رجل كبير |
|
ولا تشهد ولا تحضر وليمه |
وله أيضا : [البسيط]
لأعملنّ إلى لقياكم قدمي |
|
ولو تجشّمت بين الطين والماء |
لأن يبلّ ثيابي الغيث أهون بي |
|
من أن تحرّق نار الشوق أحشائي |
وأبو زكريا المعترض على ابن حبيش هو الفقيه النحوي الأديب أبو زكريا يحيى بن علي بن سلطان اليفرني (١) ، وله سنة ٦٤١ ، وبرع في العربية ، وكان يلقّب في المشرق «جبل النحو» وكان عند نفسه مجتهدا ، وكان لا يجيز نكاح الكتابيات ، خلافا للإمام مالك ، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، ويتمسّك بقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم ، الآية : ٢١] وكان يرى أنّ الطلاق لا يكون إلّا مرتين : مرة للاستبراء ، ومرة للانفصال ، ولا يقول بالثلاث ، وهو خلاف الإجماع ، وكان يقول في نهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل ذي ناب من السباع : أي مأكول كل ذي ناب ، وتبقى هي على الإباحة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) [سورة المائدة ، الآية : ٣] وكان يقول في قوله تعالى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [سورة طه ، الآية : ٦٣] إن الهاء (٢) اسم إنّ ، وذان لساحران جملة خبر لإنّ ، ولا تحتاج لرابط لأنها تفسيرية ، والمعنى عنده وأسرّوا النجوى قالوا إنها أي نجوانا هذان لساحران ، أي قولنا هذان لساحران ، تثبيطا للناس عن اتّباعهما ، وخطّ المصحف يرده ، لكن في المصحف أشياء كتبت على غير المصطلح ، مثل (مال هذا) و (لا أوضعوا) و (لا أذبحه). قال ابن الطراح : ورأيت هذا المعنى لغيره ، وأظنّه ابن النحاس ، وتوفي اليفرني المذكور سنة ٧٠٠ ، ومن شعره : [البسيط]
__________________
(١) انظر ترجمته في بغية الوعاة ص ٤١٢.
(٢) في ب : «الهاء» بدون «إن».