تدل على ما وراءها ، وتخبر بمشيئة الله تعالى عما بعدها ، (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٦] ومن خطب علي رضي الله تعالى عنه : أما بعد ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه رهبة ألبسه الله تعالى سيما الخسف ، ووسمه بالصّغار (١) ، وما بعد الدنيا إلا الآخرة ، وما بعد الآخرة إلا إحدى داري البقاء ، أفي الله شك؟ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٩] والاعتناء بالجبل عنوان هذا الكتاب ، ومقدمة هذا الباب ، والغفلة عنه منذ أعوام قد صيرتنا لا نقنع باليسير ، وقد أبرمته المواعيد ، وغيّر رسومه الانتظار ، ومن المنقول «ارحموا السائل ولو جاء على فرس» والإسراف في الخير أرجح في هذا المنحل من عكسه ، وكان بعض الأجواد يقول وقد أقتر (٢) : اللهم هب لي الكثير ، فإن حالي لا تقوم على القليل ، وعسى أن يكون النظر له بنسبة الغفلة عنه ، والامتعاض له مكافئا للإزراء به ، وخلو البحر يغتنم لإمداده وإرفاده ، قبل أن يثوب نظر الكفر إلى قطع المدد وسد البحر ، ومن ضيع الحزم ندم ، ولا عذر لمن علم ، والله عز وجل يطلع من قبلكم على ما فيه شفاء الصدور ، وجبر القلوب ، وشعب الصدوع ، وما نقص مال من صدقة ، وطعام الواحد كافي الاثنين (٣) ، والدين دينكم ، والبلاد بلادكم ، ومحل رباطكم وجهادكم ، وسوق حسناتكم ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨] وقد قلدنا العهد الحفيظ علينا ، المصروف العناية بفضل الله تعالى إلينا ، والله المستعان ، وعليه التكلان ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ انتهى.
وفي اعتقادي أن هذا المكتوب للسلطان أبي فارس عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن المريني ؛ وأن المراد بالمتغلب الوزير عمر بن عبد الله ظفر به أبو فارس المذكور واستقل بالملك بعد محو أثره ؛ حسبما ذكرناه في غير هذا المحل ؛ والله سبحانه أعلم.
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه في استنهاض عزم صاحب فاس السلطان المريني لنصرة الأندلس ، ما نصه : المقام الذي يؤثر (٤) حظ الله إذا اختلفت الحظوظ وتعدّدت المقاصد ، ويشرع الأدنى منه إذا تفاضلت المشارع وتمايزت الموارد ، وتشمل عادة حلمه وفضله الشارد ، ويسع وارف ظله الصادر والوارد ، والغائب والشاهد ، ويعيد من نصر الله للإسلام العوائد ، ويسدّ الذرائع ويدرّ الفوائد ، مقام محل أخينا الذي حسنت في الملك سيره ، وتعاضد في الفضل خبره (٥) وخبره ، ودلت شواهد مداركه للحقوق ، وتغمده للعقوق ، على أن
__________________
(١) الوسم : العلامة.
(٢) أقتر : ضاق عيشه.
(٣) في ب «كاف لاثنين».
(٤) يؤثر : يفضل.
(٥) الخبر ـ بضم الخاء وسكون الباء ـ الاختبار.