حصر بعض حصون الفرنج ، فلم يقدر عليه ـ خرج إلى لقائه (١) صاحب غرناطة عبد الله بن بلكين ، فسلم عليه ، ثم عاد إلى بلده ليخرج له التقادم ، فغدر به ، ودخل البلد ، وأخرج عبد الله ، ودخل قصره فوجد فيه من الذخائر والأموال ما لا يحد ولا يحصى ، ثم رجع إلى مراكش وقد أعجبه حسن بلاد الأندلس وبهجتها ، وما بها من المباني والبساتين والمطاعم وسائر الأصناف التي لا توجد في [سائر](٢) بلاد العدوة ، إذ هي بلاد بربر وأجلاف عربان ، فجعل خواصّ يوسف يعظمون عنده بلاد الأندلس ، ويحسنون له أخذها ، ويوغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه ، فتغير على المعتمد ، وقصد مشارفة الأندلس. (٣)
وحكى ابن خلدون أن علماء الأندلس أفتوا ابن تاشفين بجواز خلع المعتمد وغيره من ملوك الطوائف ، وبقتالهم إن امتنعوا ، فجهز يوسف العساكر إلى الأندلس ، وحاصر سير بن أبي بكر أحد عظماء دولة يوسف إشبيلية وبها المعتمد ، فكان من دفاعه وشدة ثباته ما هو معلوم ، ثم أخذ أسيرا ، وصار طرف الملك بعده حسيرا.
وفي وصف ذلك يقول صاحب القلائد بعد كلام (٤) : ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت (٥) ، وضمتهم جوانحها كأنهم أموات ، بعد ما ضاق عنهم القصر ، وراق منهم المصر ، والناس قد حشروا بضفتي الوادي ، يبكون بدموع كالغوادي (٦) ، فساروا والنوح يحدوهم ، والبوح باللوعة لا يعدوهم ، انتهى.
ولما فرغ أمير المسلمين يوسف بن تاشفين من أمر غزوة الزلّاقة المتقدم ذكرها ورجع تكرّم له ابن عباد ، وسأله أن ينزل عنده ، فعرج إلى بلاده إذ أجابه إلى ما طلب ، فلما انتهى ابن تاشفين إلى إشبيلية مدينة المعتمد ـ وهي من أجل (٧) المدن وأحسنها منظرا ـ وأمعن يوسف النظر فيها وفي محلها ، وهي على نهر عظيم متبحر (٨) تجري فيه السفن بالبضائع جالبة من بر المغرب وحاملة إليه ، وفي غربيها رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضياع كلها تين وعنب وزيتون ، وهذا هو المسمى بشرف إشبيلية ، وتمتار (٩) بلاد المغرب كلها بهذه الأصناف منه ، وفي جانب المدينة المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء ، وفيها
__________________
(١) في ه «خرج إلى لقاء صاحب غرناطة».
(٢) ما بين حاصرتين غير موجود في ب.
(٣) في ه «وقصد مشارقة الأندلس».
(٤) القلائد ٢٣.
(٥) الجواري المنشآت : السفن.
(٦) الغوادي : السحائب.
(٧) في ب ، ه «من أحسن المدن وأجلها منظرا».
(٨) في ب ، ه «مستبحر».
(٩) تمتار : تجلب الميرة.