أشدّ لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي ، أو إياها» وعن نسب سيبويه : هل هو صريح أو مولّى (١)؟ وعن سبب لزومه الخليل بعد أن كان يطلب الحديث والتفسير ، وعن علّة تعرضه لمناظرة الكسائي والفراء ، وعن كتابه الجاري بين الناس : هل هو أول كتاب أو أنشأه بعد كتاب أول ، ضاع كما زعم بعض الناس؟
فأجاب : أما المسألة الزنبورية المأثورة بين سيبويه والكسائي ، أو بينه وبين الفراء على حسب الاختلاف في ذلك ، بحضرة الرشيد ، أو بحضرة يحيى بن خالد البرمكي فيما يروى ، فقد اختلفت الرواة فيها : فمنهم من زعم أنّ الكسائي أو الفراء قال لسيبويه : كيف تقول «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي ، أو إياها»؟ فأجاب سيبويه ـ بعد أن أطرق شيئا ـ «فإذا هو إياها» في بعض الأقاويل ، وزعم آخرون أنه قال «فإذا هو هي» ففيها من الاختلاف عنهم ما ترى ، فإن كان أجاب بإذا هو هي ، فقد أصاب لفظا ومعنى ، ولم تدخل عليه في جوابه شبهة ، ولا علقة لمعترض ؛ لأن «إذا» في المسألة من حروف الابتداء المتضمّنة للتعليق بالخبر ، فإذا اعتبرت المضمرين بعدها بالاسمين المظهرين لزمك أن تقول «فإذا الزنبور العقرب» أو «اللسعة اللسعة (٢)» أي مثلها سواء ، فلو قلت «فإذا هو إياها» بنصب الضمير الأخير (٣) للزمك أن تقول : فإذا الزنبور العقرب ، بالنصب ، وهذا لا وجه له ، فإذا لم يجز نصب الخبر المظهر فكيف يجوز نصب الخبر المضمر الواقع موقعه؟ ويروى في المسألة أنّ الكسائي أو الفراء قال لسيبويه بعد أن أجاب برفع الضميرين على ما يوجبه القياس : كيف تقول يا بصري «خرجت فإذا زيد قائم ، أو قائما؟» فقال سيبويه : أقول «قائم» ولا يجوز النصب ، فقال الكسائي : أقول قائم وقائما ، والقائم والقائم ، بالرفع والنصب في الخبر مع النكرة والمعرفة ، فتأول الكسائي والفراء في اختيارهما «فإذا هو إياها» حمل الخبر المضمر في النصب على الخبر المظهر المعرفة مع الإعراب بوجه النصب ، فكأنه قال : فإذا الزنبور العقرب ، كما تقول : فإذا زيد القائم ، فيجري المعرفة في النصب مجرى النكرة ، وقولهما في هذا خطأ من جهتين : إحداهما : أنّ نصب الخبر بعد إذا لا يكون إلّا بعد تمام الكلام الأول في الاسم مع حرف المفاجأة ، ومع كون الخبر نكرة ، كقولك : خرجت فإذا زيد قائما؟ لأنك لو قلت «خرجت فإذا زيد» تمّ الكلام ، لتعلّق المفاجأة بزيد على معنى حضوره ، ثم تبيّن حاله في المفاجأة المتعلّقة به فتقول «قائما» أي : خرجت ففاجأني زيد في هذا الحال ، وقوله في المسألة «إياها» لا يتم الكلام في
__________________
(١) الصريح : الخالص ، الصافي. والمولى : العجمي يستطل بحماية العربي.
(٢) في ه : «أو الشدة اللسعة».
(٣) في ه : «الآخر».