الاسم الأول دونها ، ألا ترى أنك لو قلت «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو» وسكتّ ، لم يتمّ الكلام أولا ، ولا أفدت بذكر المفاجأة وتعليقها بالزنبور فائدة ، وإنما المفاجأة للضمير الآخر ، فلابدّ من ذكره والاعتماد عليه ، وهذا يوجب الرفع في الخبر ؛ لأنّ الظرف له ، لا للمخبر عنه ، فهذا بيّن واضح ، والجهة الأخرى في غلطهما أنّ «إياها» معرفة ، والحال لا تكون إلّا نكرة ، فقد اجتمع في قولهما أن أتيا بحال لم يتمّ الكلام دونها ، معرفة ، والحال لا تكون إلّا بعد تمام الكلام ومع التنكير ، فقد تبيّن خطؤهما وإصابة سيبويه في لزوم الرفع في الخبر فقط.
وأما من زعم عن سيبويه أنه قال «خرجت فإذا زيد قائم» بالرفع لا غير فباطل ، وكيف ينسب إليه وهو علّمنا أنّ الظرف إذا كان مستقرّا للاسم المخبر عنه نصب الخبر ، وإذا كان مستقرّا للخبر رفع الخبر ، ونحن نقول «خرجت فإذا زيد» فيتمّ الكلام ، و «نظرت فإذا الهلال طالع» فيتبعه الخبر رفعا ، كما تقول «في الدار زيد قائم ، وقائما» و «اليوم سيرك سريع ، وسريعا» ولكن الخبر إذا كان الظرف له ولم يتعلّق إلّا به لم يكن إلّا رفعا ، كقولك «اليوم زيد منطلق ، وغدا عمرو خارج» ؛ لأنّ الظرف لا يكون مستقرّا للاسم المخبر عنه إذا كان زمانا ، والمخبر عنه جثّة ، وكذلك المفاجأة إذا كانت للخبر لم يكن إلّا مرفوعا ، معرفة كان أو نكرة ، فإذا كانت للمخبر عنه والخبر نكرة انتصب على الحال ، فجرى قولك «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي ، وطننت زيدا عالما فإذا هو جاهل» في لزوم الرفع في الخبر مجرى «اليوم زيد منطلق ، وغدا عمرو خارج» كما جرى «خرجت فإذا زيد قائم ، وقائما» في جواز الرفع والنصب مجرى «في الدار زيد جالس ، وجالسا» فتأمّل الفرق بينهما وحصّله ، فإنّ النحويين المتقدمين والمتأخرين قد أغفلوا الفرق بين المفاجأتين.
وأمّا نصب الخبر المعرفة بعد إذا ، تمّ الكلام أو لم يتمّ ، فباطل لا تقوله العرب ، ولا يجيزه إلّا الكوفيون.
وإن كان سيبويه ، رحمة الله تعالى ، أجاب بقوله «فإذا هو إياها» كما روى بعضهم فظاهر جوابه مدخول ؛ لما قدمت ، والخطأ فيه بيّن من جهة القياس كما ذكرنا ، فإن كان قاله والتزمه دون الرفع فقد أخطأ خطأ لا مخرج له منه ، وإن كان قد قاله وهو يرى أن الرفع أولى وأحقّ ، إلّا أنه آثر النصب للإعراب حملا على المعنى الخفي ، دون ما يوجبه القياس واللفظ الجلي ، فلجوابه عندي وجهان حسنان :
أحدهما : أن يكون الضمير المنصوب وهو «إياها» كناية عن اللسعة ، لا عن العقرب ، والضمير المرفوع كناية عن الزنبور ، فكأنه قال «ظننت أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا