الزنبور لسعة العقرب» أي فإذا الزنبور يلسع لسعة العقرب ، فاختزل الفعل لما تقدّم من الدليل عليه ، بعد أن أضمر اللسعة متّصلة بالفعل ، فكأنه قال «فإذا الزنبور يلسعها» فاتّصل الضمير بالفعل لوجوده ، فلمّا اختزل الفعل انفصل الضمير ، لعدم الفعل.
ونظير هذا من كلام العرب قولهم «إنما أنت شرب الإبل» أي : إنما أنت تشرب شرب الإبل ، فاختزل الفعل ، وبقي عمله في المصدر ، ولم يرفع ، لأنه غير الاسم الأول ، فلو أضمرت شرب الإبل بعد ما جرى ذكره فقلت «ما يشرب زيد شرب الإبل ، «إنما أنت تشربه» لاتّصل الضمير بالفعل ، فلو حذفته لانفصل الضمير فقلت إنما أنت إياه» فتدبره تجده منقادا صحيحا.
والوجه الآخر أن يكون قوله «فإذا هو إياها» محمولا على المعنى الذي اشتمل عليه أصل الكلام من ذكر الظن أولا وآخرا ، لأنّ الأصل في تأليف المسألة «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فلمّا لسعني الزنبور ظننته هو إياها» فاختصر الكلام لعلم المخاطب ، وحذف الظنّ آخرا لما جرى من ذكره أولا ، ودلّت «إذا» لما فيها من المفاجأة على الفعل الواقع بعد لما الدالّة على وقوع الشيء لوقوع غيره ، فإذا جاز حذف الكلام إيثارا للاختصار مع وجود الدليل على المحذوف كان قولنا «فإذا هو إياها» بمنزلة قولنا «فلمّا لسعني الزنبور ظننته هو إياها» فحذف الظن مع مفعوله الأول ، وبقي الضمير الذي هو العماد والفصل مؤكدا للضمير المحذوف مع الفعل ودالّا على ما يأتي بعده من الخبر المحتاج إليه ، فيكون في حذف المخبر عنه لما تقدم من الدليل عليه مع الإتيان بالعماد والفصل المؤكد له المثبت لما بعده من الخبر المحتاج إليه مثل قوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)[سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠] فحذف البخل الذي هو المفعول الأول لقوله «يحسبن» وبقي الضمير مؤكدا له مثبتا لما بعده من الخبر ، وجاز حذفه لدلالة «يبخلون» عليه ، والمعنى : لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم ، فهو في المسألة عماد مؤكد لضمير الزنبور المحمول على الظنّ المضمر ومثبت لما يجيء بعده من الخبر الذي هو «إياها» فتفهّمه فإنه متمكّن من جهة المعنى ، وجار من الاختصار لعلم المخاطب على قياس وأصل ، وشاهده القرآن في الحذف واستعمال العرب النظائر ، وهي أكثر من أن تحصى ، فمنها قولهم «ما أغفله عنك شيئا» أي تثبّت شيئا ودع الشكّ ، وقولهم لمن أنكر عليه ذكر إنسان ذكره «من أنت زيدا» أي : من أنت تذكر زيدا ، وربما قالوا «من أنت زيد» بالرفع على تقدير : من أنت ذكرك زيد (١) ، فحذفوا الفعل مرّة وأبقوا عمله ،
__________________
(١) قدره ابن هشام : «من أنت مذكورك زيد». وعليه يكون «ذكرك» في كلام الأعلم مصدرا بمعنى اسم المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق.