ولما انقرض بالأندلس ملك ملوك (١) الطوائف بني عباد وبني ذي النون وبني الأفطس وبني صمادح وغيرهم انتظمت في سلك اللّمتونيين ، وكانت لهم فيها وقعات بالأعداء مشهورة في كتب التواريخ.
ولما مات يوسف بن تاشفين سنة خمسمائة قام بالملك بعده ابنه أمير المسلمين علي بن يوسف ، وسلك سنن أبيه وإن قصّر عنه في بعض الأمور ، ودفع العدو عن الأندلس مدة ، إلى أن قيض الله تعالى للثورة عليه محمد بن تومرت الملقب بالمهدي الذي أسّس دولة الموحدين ، فلم يزل يسعى في هدم بنيان لمتونة إلى أن مات ولم يملك حضرة سلطنتهم مراكش ، ولكنه ملك كثيرا من البلاد ، فاستخلف عبد المؤمن بن علي ، فكان من استيلائه على مملكة اللمتونيين ما هو معروف ، ثم جاز إلى الأندلس وملك كثيرا منها ، ثم أخرج الإفرنج من مهدية إفريقية ، وملك بلاد إفريقية وضخم ملكه ، وتسمّى بأمير المؤمنين (٢).
ولما كانت سنة ٥٤٥ سار الأذفونش صاحب طليطلة وبلاد الجلالقة إلى قرطبة ومعه أربعون ألف فارس ، فحاصرها ، وكان أهلها في غلاء شديد ، فبلغ الخبر عبد المؤمن ، فجهز إليهم جيشا يحتوي على اثني عشر ألف فارس ، فلما أشرفوا على الأذفونش رحل عنها ، وكان فيها القائد أبو الغمر السائب ، فسلمها إلى صاحب جيش عبد المؤمن بن يحيى بن ميمون ، فبات فيها ، فلما أصبح رأى الفرنج عادوا إلى مكانهم ، ونزلوا في المكان الذي كانوا فيه ، فلما عاين ذلك رتب هنالك ناسا ، وعاد إلى عبد المؤمن ، ثم رحل الفرنج إلى ديارهم.
وفي السنة بعدها دخل جيش عبد المؤمن إلى الأندلس في عشرين ألفا عليهم الهنتاتي (٣) ، فصار إليه صاحب غرناطة ميمون وابن همشك وغيرهما ، فدخلوا تحت طاعة الموحّدين ، وحرصوا (٤) على قصد ابن مردنيش ملك شرق الأندلس ، وبلغ ذلك ابن مردنيش ، فخاف وأرسل إلى صاحب برشلونة من الإفرنج يستنجده (٥) ، فتجهز إليه في عشرة آلاف من الإفرنج عليهم فارس ، وسار صاحب جيش عبد المؤمن إلى أن قارب ابن مردنيش ، فبلغه أمر البرشلوني الإفرنجي ، فرجع ، ونازل مدينة المريّة وهي بأيدي الروم ، فحاصرها ، فاشتد الغلاء
__________________
(١) في ه «ملك الطوائف» بدون كلمة «ملوك».
(٢) في ب «بأمير المسلمين».
(٣) في نسخة عند ه «الهتناتي». وفي أخرى «الهتاني».
(٤) في أصل ه «وحرضوا».
(٥) يستنجده : يطلب منه أن ينجده.