وليس مشيبا ما ترون وإنما |
|
كميت الصّبا لمّا جرى عاد أشهبا |
وقال الوزير أبو بكر محمد ابن ذي الوزارتين أبي مروان عبد الملك بن عبد العزيز يخاطب ابن عبدون (١) : [البسيط]
في ذمّة الفضل والعلياء مرتحل |
|
فارقت صبري إذ فارقت موضعه |
ضاءت به برهة أرجاء قرطبة |
|
ثم استقلّ فسدّ البين مطلعه |
عذرا إلى المجد عني حين فارقني |
|
ذاك الجلال فأعيا أن أشيّعه (٢) |
قد كنت أصحبته قلبي وأقعدني |
|
ما كان أودعني عن أن أودعه |
وفيهم يقول ابن عبدون : [الوافر]
بحور بلاغة ونجوم عزّ |
|
وأطواد رواس من جلال (٣) |
وقال الوزير الكاتب أبو القاسم بن أبي بكر بن عبد العزيز : [الوافر]
نديمي لا عدمتك من نديم |
|
أدرها في دجى الليل البهيم |
فخير الأنس أنس تحت ستر |
|
يصان عن السفيه أو الحليم |
وقال الثائر أبو عبد الله الجزيري : (٤) : [المجتث]
في أمّ رأسي سرّ |
|
يبدو لكم بعد حين |
لأبلغنّ مرادي |
|
إن كان سعدي معيني |
أو لا فأكتب ممّن |
|
سعى لإظهار دين |
وسبب قوله هذا أنّ بني عبد المؤمن لمّا غيّروا رسم مهديهم ، وصيّروا الخلافة ملكا ، وتوسّعوا في الرفاهية ، وأهملوا حقّ الرعيّة ، جعل يتستّر ، وقال هذه الأبيات ، وشاع سرّه في مدة ناصر بني عبد المؤمن ، فطلبه ، ففرّ ، ولم يزل يتنقّل مستخفيا مع أصحابه إلى أن حصل في حصن قولية من عمل مدينة بسطة ، فبينما هو ذات يوم في جامعها مع أصحابه وهم يأكلون بطيخا ويرمون قشره في صحن الجامع ، إذ أنكر ذلك رجل من العامّة ، وقال لهم : ما تتّقون
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٠٧.
(٢) شيّعه : ودّعه.
(٣) الأطواد : جمع طود وهو الجبل.
ورواس : جمع رأس ، اسم فاعل من رسى يرسو ، أي ثبت.
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢٣.