في عسكره ، فرجع إلى إشبيلية ، فأقام فيها ، وسار عبد المؤمن إلى سبتة فجهز الأساطيل وجمع العساكر.
ثم سار عبد المؤمن سنة ٥٤٧ إلى المهدية فملكها (١) ، وملك إفريقية ، وضخم ملكه كما قدمناه.
ولما مات بويع بعده ولده يوسف بن عبد المؤمن ، ولما تمهدت له الأمور ، واستقرت قواعد ملكه ، رحل إلى جزيرة الأندلس (٢) لكشف مصالح دولته ، وتفقد أحوالها (٣) ، وكان ذلك سنة ست وستين وخمسمائة ، وفي صحبته مائة ألف فارس من الموحّدين والعرب ، فنزل بحضرة إشبيلية ، وخافه ملك شرق الأندلس مرسية وما انضاف إليها الأمير الشهير أبو عبد الله (٤) محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش ، وحمل على قلب ابن مردنيش ، فمرض مرضا شديدا ومات ، وقيل : إنه سم ، ولما مات جاء أولاده وأهله إلى أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن وهو بإشبيلية ، فدخلوا تحت حكمه ، وسلّموا لأحكامه البلاد ، فصاهرهم ، وأحسن إليهم ، وأصبحوا عنده في أعز مكان ، ثم شرع في استرجاع البلاد التي استولى عليها الإفرنج ، فاتسعت مملكته بالأندلس ، وصارت سراياه تعبر (٥) إلى باب طليطلة ، وقيل : إنه حاصرها ، فاجتمع الفرنج كافة عليه ، واشتد الغلاء في عسكره ، فرجع عنها إلى مراكش حضرة ملكه ، ثم ذهب إلى إفريقية ، فمهّدها ، ثم رجع إلى حضرته مراكش ، ثم جاز البحر إلى الأندلس سنة ثمانين خمسمائة ومعه جمع كثيف ، وقصد غربي بلادها ، فحاصر مدينة شنترين ، وهي من أعظم بلاد العدو ، وبقي محاصرا لها شهرا ، فأصابه المرض ، فمات في السنة المذكورة ، وحمل في تابوت إلى إشبيلية ، وقيل : أصابه سهم من قبل الإفرنج ، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال.
وفي ابنه السيد [أبي] إسحاق يقول مطرف التجيبي رحمه الله تعالى : [السريع]
سعد كما شاء العلا والفخار |
|
تصرّف الليل به والنّهار |
ما دانت الأرض لكم عنوة |
|
وإنّما دانت لأمر كبار (٦) |
__________________
(١) في المعجب ٢٩٨ : «سار عبد المؤمن إلى المهدية سنة ٥٤٣».
(٢) في ب «دخل إلى جزيرة الأندلس».
(٣) انظر تفصيل هذه الأحداث في ابن عذاري ٣ : ٨٨ ط المغرب.
(٤) في بعض النسخ «أبو عبيد الله».
(٥) في ب «تغير».
(٦) عنوة : رغما. وأمر كبار : كبير.