رجع إلى بني عباد رحمهم الله تعالى :
قال ابن بسام (١) : أخبرني الحكيم النديم المطرب أبو بكر بن الإشبيلي ، قال : حضرت مجلس الرشيد بن المعتمد بن عباد وعنده الوزير أبو بكر بن عمار (٢) ، فلما دارت الكأس ، وتمكن الأنس ، وغنيت أصواتا ذهب الطرب بابن عمار كل مذهب ، فارتجل يخاطب الرشيد : [البسيط]
ما ضرّ أن قيل إسحاق وموصله |
|
ها أنت أنت وذي حمص وإسحاق |
أنت الرشيد فدع من قد سمعت به |
|
وإن تشابه أخلاق وأعراق |
لله درّك داركها مشعشعة |
|
واحضر بساقيك ما قامت بنا ساق |
وكان الرشيد هذا أحد أولاد المعتمد النجبا ، وله أخبار في الكرم يقضي الناظر فيها من أمرها عجبا ، وكذلك إخوته ، وقد ألمعنا في هذا الكتاب بجملة من محاسنهم ، وأمهم اعتماد الملقبة بالرّميكية هي التي ترجمناها في هذا الموضع ، واقتضت المناسبة ذكر أمر (٣) بني عباد ، فلنعد إلى ما كنا بصدده من أخبارها رحمها الله تعالى ، فنقول :
قال ابن سعيد في بعض مصنفاته : كان المعتمد كثيرا ما يأنس بها ، ويستظرف نوادرها ، ولم تكن لها معرفة بالغناء ، وإنما كانت مليحة الوجه ، حسنة الحديث ، حلوة النادر ، كثيرة الفكاهة ، لها في كل ذلك نوادر محكية ، وكانت في عصرها ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن ، وهي أبدع منها ملحا ، وأحسن افتنانا ، وأجل منصبا ، وكان أبوها أمير قرطبة ، ويلقب بالمستكفي بالله ، وأخبار أبي الوليد بن زيدون معها وأشعاره فيها مشهورة ، انتهى ملخصا.
ومن أخبار الرميكية القصة المشهورة في قولها «ولا يوم الطين» وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين ، فاشتهت المشي في الطين ، فأمر المعتمد ، فسحقت أشياء من الطيب ، وذرّت في ساحة القصر حتى عمته ، ثم نصبت الغرابيل ، وصبّ فيها ماء الورد على أخلاط الطيب ، وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين ، وخاضتها مع جواريها ، وغاضبها في بعض
__________________
(١) بدائع البداءة ج ٢ ص ١٢٩.
(٢) في ب «أبو بكر بن عمار».
(٣) في ه «واقتضت المناسبة بعض ما ذكرناه من أمر بني عباد».