وحكي عن الفقيه الأديب النحوي أبي عبد الله محمد بن ميمون الحسيني ، قال : كانت لي في صبوتي جارية ، وكنت مغرى بها ، وكان أبي ، رحمه الله ، يعذلني ويعرض لي ببيعها ؛ لأنها كانت تشغلني عن الطلب والبحث عليه ، فكان عذله يزيدني إغراء بها ، فرأيت ليلة في المنام كأنّ رجلا يأتيني في زيّ أهل المشرق كلّ ثيابه بيض ، وكان يلقى في نفسي أنه الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنهما ، وكان ينشدني : [الكامل]
تصبو إلى ميّ ، وميّ لا تني |
|
تزهو ببلواك التي لا تنقضي |
وفخارك القوم الألى ما منهم |
|
إلّا إمام أو وصيّ أو نبي |
فاثن عنانك للهدى عن ذي الهوى |
|
وخف الإله عليك ويحك وارعوي |
قال : فانتبهت فزعا مفكرا فيما رأيته ، فسألت الجارية : هل كان لها اسم قبل أن تتسمّى بالاسم الذي أعرفه؟ فقالت : لا ، ثم عاودتها حتى ذكرت أنها كانت تسمى ميّة ، فبعتها حينئذ ، وعلمت أنه وعظ وعظني الله به عزّ وجلّ ، وبشرى.
وقال ابن الحداد أوّل قصيدته «حديقة الحقيقة» (١) : [الخفيف]
ذهب الناس فانفرادي أنيسي |
|
وكتابي محدّثي وجليسي |
صاحب قد أمنت منه ملالا |
|
واختلالا وكلّ خلق بئيس |
ليس في نوعه بحيّ ولكن |
|
يلتقي الحيّ منه بالمرموس (٢) |
وقال بعض أهل الجزيرة الخضراء : [السريع]
ألحاظكم تجرحنا في الحشا |
|
ولحظنا يجرحكم في الخدود |
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا |
|
فما الذي أوجب جرح الصدود |
وقال ابن النعمة : إنهما لابن شرف ، وقد ذكرناهما مع جوابهما في غير هذا الموضع.
وقال المعتمد بن عباد (٣) : [البسيط]
اقنع بحظّك في دنياك ما كانا |
|
وعزّ نفسك إن فارقت أوطانا |
في الله من كلّ مفقود مضى عوض |
|
فأشعر القلب سلوانا وإيمانا |
__________________
(١) انظر التكملة ص ٣٩٩.
(٢) المرموس : المقبور ، والرمس : القبر.
(٣) انظر ديوان المعتمد بن عباد ص ١١٤.