فأخبرت بانفراج الضيق ، وارتفاع العائق لها عن الطريق ، وبرء الداء الذي أشرق بالريق ، وأن النصارى دمرها الله تعالى جدت في ارتحالها ، وأسرعت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها وحالها ، وسمحت للنار والنهب بأسلابها وأموالها ، فبهرنا هذا الصنع الإلهي الذي مهد الأقطار بعد رجفانها ، وأنام العيون بعد سهاد أجفانها (١) ، وسألنا الله تعالى أن يعيننا على شكر هذه النعمة التي إن سلطت عليها قوى البشر فضحتها ، ورجحتها ، ورأينا سر الطائف الخفية كيف سريانه في الوجود ، وشاهدنا بالعيان أنوار اللطائف الإلهية والجود ، وقلنا : إنما هو الفتح الأوّل شفع بثان ، وقواعد الدين الحنيف أيدت من صنع الله تعالى ببنيان ، اللهم لك الحمد على نعمك الباطنة والظاهرة ، ومننك الوافرة ، إنك ولينا في الدنيا والآخرة. انتهى.
ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى من أخرى مما يتعلق بضيق حال المسلمين بالأندلس ما صورته :
وإن تشوّفتم (٢) إلى أحوال هذا القطر ومن به من المسلمين ، بمقتضى الدين المتين والفضل المبين ، فاعلموا أننا في هذه الأيام ندافع من العدوّ تيارا ، ونكابر بحرا زخّارا ، ونتوقع إلا إن وقى الله تعالى خطوبا كبارا ، ونمد اليد إلى الله تعالى انتصارا ، ونلجأ إليه اضطرارا ، ونستمد دعاء المسلمين بكل قطر استعدادا به واستظهارا (٣) ، ونستشير من خواطر الفضلاء ما يحفظ أخطارا ، وينشئ ريح روح الله طيبة معطارا ، فإذا القومس (٤) الأعظم قيوم دين النصرانية الذي يأمرها فتطيع ، ومخالفته لا تستطيع ، رمي هذه الأمة الغريبة المنقطعة منهم بجراد لا يسد طريقها ، ولا يحصى فريقها ، التفت على أخي صاحب قشتالة وعزمها أن تملكه بدله ، وتبلغه أمله ، ويكون الكل يدا واحدة على المسلمين ، ومناصبة هذا الدين ، واستئصال شأفة المؤمنين ، وهي شدة ليس لأهل هذا الوطن بها عهد ، ولا عرفها نجد ولا وهد (٥) ، وقد اقتحموا الحدود القريبة ، والله تعالى ولي هذه الأمة الغريبة ، وقد جعلنا مقاليد أمورنا بيد من يقوّي الضعيف ، ويدرأ الخطب المخيف (٦) ، ورجونا أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران : ١٧٣] ، وهو سبحانه المرجو
__________________
(١) السهاد : الأرق.
(٢) في أصل ه «تشوقتم».
(٣) استعدادا به : أي نجعله عدلا لنا على العدو. واستظهارا : نستظهر به ، أي نتقوى.
(٤) في ب ، ه «فإن القوس الأعظم».
(٥) النجد : ما ارتفع من حزن من الأرض. والوهد ضده.
(٦) يدرأ : يدفع. والخطب : المصيبة.