يردي ويصرع ، وكم تقدم في الدهر منتز شذ عن الطاعة ، وخرج عن الجماعة ، ومخالف على الدول ، في العصور الأول ، بهرج الحقّ زائفه ، ورجمت شهب الأسنة طائفه ، وأخذت عليه الضيقة وهاده وتنائفه (١) ، فتقلص ظله ، ونبا به عن الحق محله ، وكما قال يذهب الباطل وأهله ، لا سيما وسعادة ملككم قد وطأت المسالك ومهّدتها ، وقهرت الأعداء وتعبدتها ، وأطفأت جداول سيوفكم النار التي أوقدتها ، وكأن بالأمور إذا أعملتم فيها رأيكم السديد وقد عادت إلى خير أحوالها ، والبلاد بيمن تدبيركم قد شفى ما ظهر من اعتلالها ، وعلى كل حال فإنما نحن إلى تكميل (٢) مرضاتكم مبادرون ، وفي أغراضكم الدينية واردون وصادون ، ولإشاراتكم التي تتضمن الخير والخيرة منتظرون ، عندنا من ذلك عقائد لا يحتمل نصّها التأويل ، ولا يقبل صحيحها التعليل ، فلتكن أبوّتكم من ذلك على أوضح سبيل ، فشمس النهار لا تحتاج إلى دليل ، والله تعالى يسنّي لكم عوائد الصنع الجميل ، حتى لا يدع عزمكم مغصوبا إلا رده ، ولا ثلما في ثغر الدين إلا سدّه ، ولا هدفا متعاصيا إلا هدّه ، ولا عرقا من الخلاف إلا حده (٣) ، وهو سبحانه يبقى ملككم ويصل سعده ، ويعلي أمره ويحرس مجده ، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.
ومن إنشائه رحمه الله تعالى من جملة رسالة على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب الرعايا ، ما نص محل الحاجة منه :
وإلى هذا فقد علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في ميدان الأمل جري الجموح (٤) ، ودارت عليه خمرة النخوة والخيلاء مع الغبوق والصّبوح ، حتى طمح بسكر اغتراره ، ومحّص المسلمون على يده بالوقائع التي تجاوز منتهى مقداره ، وتوجهت إلى استئصال الكلمة مطامح (٥) أفكاره ، ووثق بأنه يطفئ نور الله بناره ، ونازل جبل الفتح فشد مخنّق حصاره ، وأدار أشياعه في البر والبحر دور السوار على أسواره ، وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب وانبهام الأبواب ، والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين
__________________
(١) الوهاد : جمع وهد ـ الفتح ـ وهو المكان الممهد المطمئن. والتنائف : جمع تنوفة ـ بفتح التاء وضم النون ـ وهي الأرض التي لا ماء فيها ولا إنسان.
(٢) في ب ، ه «على تكميل فرضاتكم».
(٣) في ب «إلا جده» وجدّه : قطعه كجذّه.
(٤) جمع : تمرّد ، وركب هواه. والجموح : المتمرد والراكب هواه.
(٥) في ب ، ه «مطامح» وفي نسخة «مطالع».