عليك أحالني الذّكر الجميل
فإن رأى سيدي أن يحجب من بلده شلب ومن قصيده هذا فهو أعلم بما يأتي ويذر ، ولا عتب على القدر ، ورغب إلى أحد غلمانه ، فأوصل الورقة ، فلمّا وقف عليها القائد قال : من شلب ، وهذا مطلع قصيدته ، ما لهذا إلّا شأن ، ولعلّه الوزير ابن عمّار ، وقد نشر إلى الدنيا ، عجّلوا بالإذن له ، فدخل (١) وبقي واقفا لم يسلّم ولا كلّم أحدا ، فاستثقله الحاضرون ، واستبردوا مقصده ، ونسبوه للجهل وسوء الأدب ، فقال له أحدهم : ما لك لا تسلّم على القائد ، وتدخل مداخل الأدباء والشعراء؟ فقال : حتى أخجل جميعكم قدر ما أخجلتموني على الباب مع أقوام أنذال ، وأعلم أيضا من هو الكثير الفضول من أصحاب القائد أعزّه الله تعالى فأكون أتّقيه إن قدّر لي خدمته ، فقال له عبد الملك : أتأخذنا بما فعل السفهاء منّا؟ قال : لا ، والله ، بل أغفر لك ذنوب الدهر أجمع ، وإنما هي أسباب نقصدها لنحاور بها مثلك أعزك الله تعالى ، ويتمكّن التأنيس ، وينحلّ قيد الهيبة ، ثم أنشد من رأسه ولا ورقة في يده : [الوافر]
عليك أحالني الذّكر الجميل |
|
فصحّ العزم واقتصر الرحيل (٢) |
وودّعت الحبيب بغير صبر |
|
ولم أسمع لما قال العذول |
وأسلبت الظلام عليّ سترا |
|
ونجم الأفق ناظره كليل |
ولم أشك الهجير وقد دعاني |
|
إلى أرجائك الظلّ الظليل (٣) |
وهي طويلة ، فأكرمه وقرّبه ، رحم الله تعالى الجميع!.
وأهديت للمعتمد بن عباد شمعة ، فقال في وصفها أبو القاسم بن مرزقان الإشبيلي وهو ممّن قتل في فتنة المعتمد (٤) : [السريع]
مدينة في شمعة صوّرت |
|
قامت حماة فوق أسوارها |
وما رأينا قبلها روضة |
|
تتّقد النار بنوّارها |
تصيّر الليل نهارا إذا |
|
ما أقبلت ترفل في نارها (٥) |
كأنها بعض الأيادي التي |
|
تحت الدّجى تسري بأنوارها |
من ملك معتمد ماجد |
|
بلاده أوطان زوّارها |
__________________
(١) في ب ، ه : «فأذنوا له ودخل وبقي واقفا».
(٢) في ب ، ه : «واقتضي الرحيل».
(٣) الهجير : شدة الحر عند منتصف النهار.
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٢٦١.
(٥) رفل رفلا ورفولا : جر ذيلة وتبختر في سيره.