الله تعالى أننا لو لم تعق العوائق الكبيرة ، والموانع الكثيرة ، والاعداء الذين دهيت (١) بهم في الوقت هذه الجزيرة ، ما قدمنا عملا على اللحاق بكم ، والاتصال بسببكم ، حتى نوفي لأبوّتكم الكريمة حقها ، ونوضح من المسرة طرقها ، لكن الأعذار واضحة وضوح المثل السائر ، والله العالم بالسرائر ، وإلى الله تعالى نبتهل في أن يوضح لكم من التيسير طريقا ، يجعل السعد لكم مصاحبا ورفيقا ، ولا يعدمكم عناية منه وتوفيقا ، ويتم سرورنا عن قريب بتعرف (٢) أنبائكم السارة ، وسعودكم الدارّة ، فذلك منه سبحانه غاية آمالنا ، وفيه إعمال ضراعتنا وابتهالنا (٣) ، هذه ما عندنا بادرنا لإعلامكم به أسرع البدار ، والله تعالى يوفد علينا أكرم الأخبار ، بسعادة ملككم السامي المقدار ، وييسر ماله من الأوطار ، ويصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، انتهى.
وكان طاغية النصارى الملعون لكثرة ما مارس من أمور الأندلس وسلاطين فاس كثيرة ما يدسّ لأقارب الملوك القيام على صاحب الأمر ، ويزين له الثورة ، ويعده بالإمداد بالمال والعدّة ، وقصده بذلك كله توهين المسلمين (٤) ، وإفساد تدبيرهم ، ونسخ الدول بعضها ببعض ، لما له في ذلك من المصلحة ، حتى بلغ أبعده الله تعالى من أمله الغاية.
ومن إنشاء لسان الدين بن الخطيب ـ رحمه الله تعالى! ـ عن سلطان الأندلس إلى سلطان فاس المريني ، يعتذر عن فرار الأمير أبي الفضل المريني الذي كان معتقلا بغرناطة ، فتحيل الطاغية في أمره حتى خرج طالبا للملك ، ما نصه :
المقام الذي شهد الليل والنهار بأصالة سعادته ، وجرى الفلك الدوّار بحكم إرادته ، وتعود الظفر بمن يناويه فاطرد والحمد لله جريان عادته ، فوليّه متحقق لإفادته ، وعدوه مرتقب لإبادته ، وحلل الصنائع الإلهية تضفو (٥) على أعطاف مجادته ، مقام محل أخينا الذي سهم سعده صائب ، وأمل من كاده خاسر خائب ، وسير الفلك المدار في مرضاته دائب ، وصنائع الله تعالى له تصحبها الألطاف العجائب ، فسيان شاهد منه في عصمة وغائب ، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى مسدّد السهم! ماضي العزم! تجل سعوده عن تصور الوهم! ولا زال مرهوب الحد ممتثل الرسم! موفور الحظ من نعمة الله تعالى عند تعدد القسم! فائزا بفلج الخصام (٦) عند لد الخصم! معظم قدره ، وملتزم بره ، المبتهج بما يسببه الله تعالى له من إعزاز نصره ، وإظهار أمره ، فلان.
__________________
(١) في ج «الذين ذهبت بهم».
(٢) في ج «بتعريف».
(٣) في ب ، ه «ضراعتنا وسؤالنا».
(٤) توهين المسلمين : إضعافهم.
(٥) تضفو : تكثر وتزيد.
(٦) الفلج : النصر والفوز.