سلام كريم ، طيب برعميم ، يخص مقامكم الأعلى ، ومثابتكم (١) الفضلى ، التي حازت في الفخر الأمد البعيد ، وفازت من التأييد والنصر بالحظ السعيد ، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله الذي فسح لملككم الرفيع في العز مدى ، وعرفه عوارف آلائه وعوائد النصر على أعدائه يوما وغدا ، وحرس سماه علائه بشهب ما قدره وقضائه (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩] وجعل نجح (٢) آماله وحسن مآله قياسا مطردا ، فربّ مريد ضره ضر نفسه وهاد إليه أهدى وما هدى ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه ورسوله الذي ملأ الكون نورا وهدى ، وحيا مراسم الحق وقد صارت طرائق قددا (٣) ، أعلى الأنام يدا ، وأشرفهم محتدا (٤) ، الذي بجاهه نلبس أثواب السعادة جددا ، ونظفر بالنعيم الذي لا ينقطع أبدا ، والرضا عن آله وأصحابه الذين رفعوا لسماء سنته عمدا ، وأوضحوا من سبيل اتباعه مقصدا ، وتقبلوا شيمه الطاهرة ركعا وسجّدا ، سيوفا على من اعتدى ، ونجوما لمن اهتدى ، حتى علت فروع ملته صعدا (٥) ، وأصبح بناؤها مديدا مخلدا ، والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يتوالى مثنى وموحدا ، كما جمع لملككم ما تفرق من الألقاب ، على توالي الأحقاب ، فجعل سيفكم سفّاحا وعلمكم منصورا ورأيكم رشيدا وعزمكم مؤيدا ، فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم صنعا يشرح للإسلام خلدا ، ونصرا يقيم للدين الحنيف أودا (٦) ، وعزما يملأ أفئدة الكفر كمدا ، وجعلكم ممن هيأ له من أمره رشدا ، ويسر لكم العاقبة الحسنى كما وعد به في كتابه العزيز والله أصدق موعدا ، من حمراء غرناطة حرسها الله ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استطلاع سعودكم في آفاق العناية ، واعتقاد جميل صنع الله في البداية والنهاية ، والعلم بأن ملككم تحدّى من الظهور على أعدائه بآية ، وأجرى جياد السعد في ميدان لا يحد بغاية ، وخرق حجاب المعتاد بما لم يظهر إلا لأصحاب الكرامة والولاية ، ونحن على ما علمتم من السرور بما يهز لملككم المنصور عطفا ، ويسدل عليه من العصمة سجفا (٧) نقاسمه الارتياح (٨)
__________________
(١) المثابة : في الأصل : المكان الذي يرجع إليه الإنسان ، وأراد هنا الموطن. وفي التنزيل العزيز(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة : ١٢٥].
(٢) في ب «نجح أعماله».
(٣) القدد : الطرائق. وفي التنزيل الحكيم (طَرائِقَ قِدَداً).
(٤) المحتد : الأصل.
(٥) في ه «مصعدا».
(٦) الأود : المعوج. وأقام أوده : جعله مستقيما.
(٧) السجف : الستر.
(٨) في أ، ج ، ه «فقاسمه الارتياح». والصواب ما أثبتناه وهو كذلك في ب.