لمواقع نعم الله تعالى نصفا ونصا ، ونعقد بين أنباء مسرته وبين الشكر لله حلفا ، ونعدّ التشيع له مما يقربنا إلى الله زلفى ، ونؤمل من إمداده ونرتقب من جهاده وقتا يكفل به الدين ويكفى ، وتروى غلل النفوس (١) وتشفى ، وإلى هذا وصل الله سعدكم ، ووالى نصركم وعضدكم ، فإنا من لدن صدر عن أخيكم أبي الفضل ما صدر من الانقياد لخدع الآمال ، والاغترار بموارد الآل (٢) ، وفال رأيه (٣) في اقتحام الأهوال ، وتورط في هفوة حار فيها حيرة أهل الكلام في الأحوال ، وناصب من أمركم السعيد جبلا قضى الله له بالاستقراء ، والاستقبال ، ومن ذا يزاحم الأطواد ويزحزح الجبال؟ وأخلف الظن منّا في وفائه ، وأضمر عملا استأثر عنا بإخفائه ، واستعان من عدو الدين بمعين قلما يورى (٤) لمن استنصر به رند ، ولا خفق لمن تولاه بالنصر بند (٥) ، وإن الطاغية أعانه وأنجده ورأى أنه سهم على المسلمين سدده وعضب للفتنة جرّده (٦) ، فسخر له الفلك ، وأمل أن يستخدمه بسبب ذلك الملك ، فأورده الهلك والظلم الحلك ، علمنا أن طرف سعادته كاب ، وسحاب آماله غير ذات انسكاب ، وقدم عزته لم يستقر من السداد في غرز ركاب ، فإن نجاح أعمال النفوس مرتبط بنيّاتها ، وغايات الأمور تظهر في بداياتها ، وعوائد الله تعالى فيمن نازع قدرته لا تجهل ، ومن غالب أمر الله خاب منه المعوّل ، فبينما نحن نرتقب خسار تلك الصفقة المعقودة ، وخمود تلك الشعلة الموقودة ، وصلنا كتابكم يشرح الصدور ويشرح الأخبار ، ويهدي طرف المسرات على أكف الاستبشار ، ويعرب بلسان حال المسارعة والابتدار ، عن الود الواضح وضوح النهار ، والتحقق بخلوصنا الذي يعلمه عالم الأسرار ، فأعاد في الإفادة وأبدى ، وأسدى من الفضائل الجلائل ما أسدى ، فعلم منه مآل من رام أن يقدح زند الشتات من بعد الالتئام (٧) ، ويثير عجاجة المنازعة من بعد ركود القتام (٨) ، هيهات تلك قلادة الله تعالى التي ما كان يتركها بغير نظام ، ولم يدر أنكم نصبتم له من الحزم حبالة لا يفلتها قنيص (٩) ، وسدّدتم له من السعد سهما ما له عنه من محيص (١٠) ، بما كان من إرسال جوارح الأسطول السعيد في مطاره ، حائلا بينه وبين أوطاره ، فما كان إلا التسمية والإرسال ، ثم الإمساك والقتال ، ثم الاقتيات والاستعمال ، فيا له من زجر استنطق لسان الوجود فجدله (١١) ، واستنصر البحر فخذله ، وصارع القدر فجدله لما جد له ، وإن خدامكم استولوا على ما كان فيه
__________________
(١) الغلل : جمع غلة ، وهي شدة العطش.
(٢) الآل : السراب.
(٣) فال رأيه : ضعف.
(٤) أورى الزند يوري : قدح بالنار.
(٥) البند : العلم ، وجمعه بنود.
(٦) العضب : السيف الصارم.
(٧) الشتات : الفرقة بها ، والالتئام : الاجتماع.
(٨) القتام : الغبار.
(٩) القنيص : الصيد.
(١٠) محيص : محيد.
(١١) في أصل ه «فخذله».