أصحابه على قواد عسكره ، ثم أمر قواده أن يقتل كل منهم من عنده من الكفرة ، وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه ، وسلم من الجماعة ثلاثة نفر ، فعادوا إلى الأذفونش وأخبروه الخبر ، وكان متوجها إلى قرطبة ليحاصرها ، فرجع إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار ، ويكثر العدد والعدّة ، انتهى.
وقال الفقيه أبو عبد الله عبد الله (١) بن عبد المنعم الحميري في كتابه «الروض المعطار ، في ذكر المدن والأقطار» إنه لما اشتغل المعتمد بغزو ابن صمادح صاحب المريّة حين تأخر (٢) الوقت الذي كان يدفع فيه الضريبة للأذفونش وأرسلها إليه بعد ذلك استشاط الطاغية غضبا ، وتشطط ، وطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة ، وأمعن في التّجنّي ، وسأل في دخول امرأته القمجيطة (٣) إلى جامع قرطبة لتلد فيه ، إذ كانت حاملا ، لما أشار عليه بذلك القسيسون والأساقفة لمكان كنيسة كانت في الجانب الغربي منه معظمة عندهم عمل عليها المسلمون الجامع الأعظم ، وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بالمدينة الزهراء غربي مدينة قرطبة ، وهي التي أنشأ بناءها الناصر لدين الله ، وأمعن في بنائها ، وأغرب في حسنها ، وجلب إليها الرخام الملون والمرمر الصافي والحوض المشهور من البلاد والأقطار ، وكان يثيب على السارية بكذا وكذا غير الثمن وأجرة الحمل ، وأنفق فيها الأموال العظيمة ، واشتغل بها ، وكان يباشر الصناع بنفسه ، حتى تخلف عن حضور الجمعة ثلاث مرات متواليات ، وحضر في الرابعة ، وكان الخطيب يومئذ الفقيه الزاهد منذر بن سعيد البلّوطي ، فعرض به في الخطبة ، ووبخه على رؤوس الملأ ، وقصته في ذلك مشهورة ، وبناء الزاهر أيضا من أعظم (٤) مباني الإسلام ، فمن أراد الوقوف على ذلك فعليه بتاريخ ابن حيان.
ولنرجع إلى الأذفونش فإن الأطباء والقسوس (٥) لما أشاروا أن تكون المرأة المذكورة ساكنة بالزهراء ، وتتردد إلى الجامع المذكور حتى تكون ولادتها بين طيب نسيم الزهراء وفضيلة موضع الكنيسة من الجامع المذكور ، وكان السفير في ذلك يهوديا كان وزير الأذفونش ، فامتنع ابن عبّاد من ذلك ، فراجعه ، فأباه وأيأسه من ذلك ، فراجعه اليهودي في ذلك ، وأغلظ له في
__________________
(١) في ب «أبو عبد الله محمد بن عبد الله».
(٢) في ب ، ه «حتى تأخر الوقت».
(٣) في الروض المعطار «القمطيجة».
(٤) في ب «وبناء الزهراء أيضا أغرب مباني الإسلام» وفي ه «وبناء الزهراء من أغرب ما بني في الإسلام».
(٥) القسوس : جمع قس : رجل دين عند النصارى.