ومنها :
لمّا خلت منك القصور ولم تكن |
|
فيها كما قد كنت في الأعياد |
قبّلت في هذا الثّرى لك خاضعا |
|
وجعلت قبرك موضع الإنشاد (١) |
فلما بلغ من إنشاده ، إلى مراده ، قبل الثرى ومرّغ جسمه وعفر خده ، فبكى كل من حضر وحذفه ذلك عن سرور العيد وصدّه ، إذ كانت هذه القصة يوم عيد ، فسبحان المبدىء المعيد.
ويحكى أن رجلا رأى في منامه أثر الكائنة على المعتمد بن عباد كأن رجلا صعد منبر جامع قرطبة فاستقبل الناس وأنشد هذه الأبيات متمثلا : [الرمل]
ربّ ركب قد أناخوا عيسهم |
|
في ذرا مجدهم حين بسق (٢) |
سكت الدّهر زمانا عنهم |
|
ثم أبكاهم دما حين نطق |
وعاش أبو بكر بن اللبانة المعروف بالداني المذكور آنفا بعد المعتمد ، وقدم ميورقة آخر شعبان سنة ٤٨٩ ، ومدح ملكها مبشر بن سليمان بقصيدة مطلعها : [الكامل]
ملك يروعك في حلى ريعانه |
|
راقت برونقه صفات زمانه |
وأين هذا من أمداحه في المعتمد؟!.
وتذكرت هنا من أهوال الداني أنه دخل على ابن عمار في مجلس ، فأراد أن يندر به وقال له : اجلس يا داني ، بغير ألف ، فقال له : نعم يا ابن عمار ، بغير ميم ، وهذا (٣) هو الغاية في سرعة الجواب والأخذ بالثأر في المزاح.
ونظيره ـ وإن كان من باب آخر ـ أن المعتمد مر مع وزيره ابن عمار ببعض أرجاء إشبيلية فلقيتهما امرأة ذات حسن مفرط ، فكشفت وجهها ، وتكلمت بكلام لا يقتضيه الحياء ، وكان ذلك بموضع الجباسين الذين يصنعون الجبس والجيارين الصانعين للجير (٤) بإشبيلية ، فالتفت المعتمد إلى موضع الجيارين ، وقال : يا ابن عمار الجيارين ، ففهم مراده ، وقال في الحال : يا مولاي والجباسين ، فلم يفهم الحاضرون المراد ، وتحيروا ، فسألوا ابن عمار ، فقال له المعتمد : لاتبعها منهم إلّا غالية ، وتفسيرها أن ابن عباد صحف «الحيا زين» بقوله الجيارين ، إشارة إلى أن تلك المرأة لو كان لها حياء لازدانت ، فقال له والجباسين وتصحيفه «والخنا شين» أي : هي وإن كانت جميلة بديعة الحسن لكن الخنا شانها ، وهذا شأو لا يلحق.
__________________
(١) في ب «قبلت من هذا الثرى».
(٢) بسق : سما وارتفع. والعيس : النوق.
(٣) في ه «وهو الغاية في سرعة الجواب».
(٤) في ه «الصانعين للجيار».