غريبة ، وكان مسلطا على أهل البادية ، وبلغ من سرقته أنه سرق وهو مصلوب ؛ لأنّ ابن عباد أمر بصلبه على ممرّ أهل البادية لينظروا إليه ، فبينما هو على خشبته على تلك الحال إذ جاءت إليه زوجته وبناته ؛ وجعلن يبكين حوله ويقلن : لمن تتركنا نضيع بعدك؟ وإذا ببدوي على بغل وتحته حمل ثياب وأسباب ، فصاح عليه : يا سيدي ، انظر في أي حالة أنا ، ولي عندك حاجة فيها فائدة لي ولك ؛ قال : وما هي؟ قال : انظر إلى تلك البئر ، لمّا أرهقني الشّرط رميت فيها مائة دينار ، فعسى تحتال في إخراجها ، وهذه زوجتي وبناتي يمسكن بغلك خلال ما تخرجها ، فعمد البدوي إلى حبل ودلّى نفسه في البئر بعد ما اتفق معه على أن يأخذ النصف منها ، فلمّا حصل أسفل البئر قطعت زوجة السارق الحبل ، وبقي حائرا يصيح ، وأخذت ما كان على البغل مع بناتها ، وفرّت به ، وكان ذلك في شدّة حرّ ، وما سبّب الله شخصا يغيثه إلّا وقد غبن عن العين وخلصن ، فتحيّل ذلك الشخص مع غيره على إخراجه ، وسألوه عن حاله ، فقال : هذا الفاعل الصانع احتال عليّ حتى مضت زوجته وبناته بثيابي وأسبابي ، ورفعت هذه القصة (١) إلى ابن عباد ، فتعجّب منها ، وأمر بإحضار البازي الأشهب ، وقال له : كيف فعلت هذا مع أنك في قبضة الهلكة؟ فقال له : يا سيدي ، لو علمت قدر لذّتي في السرقة خليت ملكك واشتغلت بها ، فلعنه وضحك منه ، ثم قال له : إن سرّحتك وأحسنت إليك وأجريت عليك رزقا يقلك أتتوب من هذه الصنعة الذميمة؟ فقال : يا مولاي ، كيف لا أقبل التوبة وهي [التي](٢) تخلصني من القتل؟ فعاهده وقدّمه على رجال أنجاد ، وصار من جملة حراس أحواز المدينة.
ويحكى أنّ منصور بني عبد المؤمن لمّا أراد بناء صومعة إشبيلية العظيمة القدر أحضر لها العرفاء والصّنّاع من مظانّهم ، فعرّف بشيخ مغفّل صحيح المذهب عارف بالبناء الذي يجهله كثير من الصناع ، فأحضر ، فقال له المنصور : كم تقدّر أن ينفق على هذه الصومعة؟ فضحك وقال:يا سيدي ، البنيان إنما هو مثل ذكر ليس يقدّر حتى يقوم ، فكاد المنصور يفتضح من الضحك ، وصرف وجهه عنه ، وبقيت حكايته يضحك عليها زمانا.
وكان أحمد المقريني المعروف بالكساد شاعرا وشّاحا زجّالا إشبيليّا ، وقال في موسى الذي تغزّل فيه ابن سهل : [الخفيف]
ما لموسى قد خرّ لله لمّا |
|
فاض نور أغشاه ضوء سناه (٣) |
وأنا قد صعقت من نور موسى |
|
لا أطيق الوقوف حين أراه |
__________________
(١) في ه : «ورفعت هذه القضية».
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من ب ، ه.
(٣) في ب : «غشاه ضوء سناه».