وقيل : إن فل (١) الإفرنج هربوا إلى قلعة رباح ، فتحصنوا بها ، فحاصرها السلطان يعقوب حتى أخذها ، وكانت قبل للمسلمين ، فأخذها العدو ، فردت في هذه المرة ، ثم حاصر طليطلة ، وقاتلها أشد قتال ، وقطع أشجارها ، وشنّ الغارات على أرجائها ، وأخذ من أعمالها حصونا ، وقتل رجالها ، وسبى حريمها ، وخرب منازلها ، وهدم أسوارها ، وترك الإفرنج في أسوأ حال ، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة ، ثم رجع إلى إشبيلية ، وأقام إلى سنة ٥٩٣ ، فعاد إلى بلاد الفرنج ، وفعل فيها الأفاعيل ، فلم يقدر العدو على لقائه ، وضاقت على الإفرنج الأرض بما رحبت ، فطلبوا الصلح ، فأجابهم إليه ، لما بلغه من ثورة الميرقي عليه بإفريقية مع قراقوش مملوك بني أيوب سلاطين مصر والشام.
ثم توفي السلطان يعقوب سنة ٥٩٥.
وما يقال «إنه ساح في الأرض ، وتخلى عن الملك ، ووصل إلى الشام ، ودفن بالبقاع» لا أصل له ، وإن حكى ابن خلكان بعضه.
وممن صرح ببطلان هذا القول الشريف الغرناطي في شرح مقصورة حازم ، وقال : إن ذلك في هذيان العامة ، لولوعهم بالسلطان المذكور.
وولي بعده ولده محمد الناصر المشؤوم على المسلمين ، وعلى جزيرة الأندلس بالخصوص ، فإنه جمع جموعا اشتملت على ستمائة ألف مقاتل فيما حكاه صاحب «الذخيرة السنية ، في تاريخ الدولة المرينية» (٢) ودخله الإعجاب بكثرة من معه من الجيوش ، فصافّ الإفرنج ، فكانت عليه وعلى المسلمين وقعة العقاب المشهورة التي خلا بسببها أكثر المغرب ، واستولى الإفرنج على أكثر الأندلس بعدها ، ولم ينج من الستمائة ألف مقاتل غير عدد يسير جدا لم يبلغ الألف فيما قيل ، وهذه الوقعة هي الطامة على الأندلس ، بل والمغرب جميعا ، وما ذاك إلا لسوء التدبير ، فإن رجال الأندلس العارفين بقتال الإفرنج استخفّ بهم الناصر ووزيره ، فشنق (٣) بعضهم ، ففسدت النيات ، فكان ذلك من بخت الإفرنج (٤) ، والله غالب على أمره ، وكانت وقعة العقاب هذه المشؤومة سنة ٦٠٩ ، ولم تقم بعدها للمسلمين قائمة تحمد.
ولما مات الناصر سنة عشرين وستمائة ولي بعده ابنه يوسف المستنصر ، وكان مولعا بالراحة ، فضعفت الدولة في أيامه ، وتوفي سنة ٦٢٠.
__________________
(١) فل القوم : بقاياهم بعد هزيمتهم.
(٢) انظر الذخيرة السنية ص ٤١.
(٣) في ه «وشنق بعضهم».
(٤) من بختهم : من حظهم.