ولما تلاقينا جرى الطّعن بيننا |
|
فمنّا ومنهم طائحون عديد (١) |
وجال غرار الهند فينا وفيهم |
|
فمنّا ومنهم قائم وحصيد |
فلا صدر إلّا فيه صدر مثقّف |
|
وحول الوريد للحسام ورود |
صبرنا ولا كهف سوى البيض والقنا |
|
كلانا على حرّ الجلاد جليد |
ولكن شددنا شدّة فتبلدوا |
|
ومن يتبلّد لا يزال يحيد |
فولّوا وللسّمر الطوال بهامهم |
|
ركوع وللبيض الرّقاق سجود (٢) |
رجع إلى أخبار المنصور بعد هدنة الإفرنج : ولما انقضت مدة الهدنة ، ولم يبق منها إلا القليل ، خرج طائفة من الإفرنج في جيش كثيف إلى بلاد المسلمين ، فنهبوا وسعوا وعاثوا عيثا فظيعا ، فانتهى الخبر إليه ، فتجهز لقصدهم في جيوش موفرة وعساكر مكتّبة (٣) ، واحتفل في ذلك ، وجاز إلى الأندلس سنة ٥٩١ ، فعلم به الإفرنج ، فجمعوا جمعا كثيرا من أقاصي بلادهم وأدانيها ، وأقبلوا نحوه ، وقيل : إنه لما أراد الجواز من مدينة سلا مرض مرضا شديدا ، ويئس منه أطباؤه ، فعاث الأذفونش في بلاد المسلمين بالأندلس ، وانتهز الفرصة ، وتفرقت جيوش المسلمين بسبب مرض السلطان ، فأرسل الأذفونش يتهدد ويتوعد ، ويرعد ويبرق ، ويطلب بعض الحصون المتاخمة له من بلاد الأندلس ، وخلاصة الأمر أن المنصور توجه بعد ذلك إلى لقاء النصارى ، وتزاحف الفريقان ، فكان المصافّ شمالي قرطبة على قرب قلعة رباح في يوم الخميس تاسع شعبان سنة ٥٩١ ، فكانت بينهم وقعة عظيمة استشهد فيها جمع كبير من المسلمين.
وحكي أن يعقوب المنصور جعل مكانه تحت الأعلام السلطانية الشيخ أبا يحيى بن أبي حفص عم السلطان أبي زكريا الحفصي الذي ملك بعد ذلك إفريقية ، وخطب له ببعض الأندلس ، فقصد الإفرنج الأعلام ظنا أن السلطان تحتها ، فأثروا في المسلمين أثرا قبيحا ، فلم يرعهم إلا والسلطان يعقوب قد أشرف عليهم بعد كسر شوكتهم ، فهزمهم شر (٤) هزيمة ، وهرب الأذفونش في طائفة يسيرة ، وهذه وقعة الأرك الشهيرة الذكر.
وحكي أن الذي حصل لبيت المال من دروع الإفرنج ستون ألفا ، وأما الدواب على اختلاف أنواعها فلم يحصر لها عدد ، ولم يسمع بعد وقعة الزلاقة بمثل وقعة الأرك هذه ، وربما (٥) صرح بعض المؤرخين بأنها أعظم من وقعة الزلاقة.
__________________
(١) طائحون : هالكون.
(٢) السمر : الرماح. والبيض : السيوف.
(٣) في ه «مكتتبه».
(٤) في أصل ه «أشر هزيمة».
(٥) في ه «وإنما صرح بعض المؤرخين».