مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، بدائع قد خضع لها البيان وسلم ، أعجز بتلك المعجزات نظما ونثرا ، وأوجز في تحبير تلك الآيات البينات فجلا سحرا ، ورفع للقوافي راية استظهار تخير فيها الأظهر ، فعجم وعشر وشفع وأوتر ، وأما الأصول فهي التي من فروعه (١) ، في متفرق منظومه ومنثور مجموعه ، وأما النسب ، فإلى حفظه انتسب ، وأما الأيام والدول ، ففي تاريخه الأواخر والأول ، وقد سبك من هذه العلوم في منثوره وموزونه ، ما يشهد بإضافتها إلى فنونه ، وله سماع في الحديث ورواية ، وفهم بقوانينه ودراية ، سمع من أبي الوليد اليزيد بن عبد الرحمن بن بقي القاضي ، ومن أبي الحسن جابر بن أحمد القرشي التاريخي ، وهو آخر من حدّث عنه ، ومن أبي عبد الله التّجيبي كثيرا وهو أول من سمع عنه في حياة الحافظ أبي الطاهر السّلفي إذ قدم عليهم تلمسان ، وأجازه الحافظ السهيلي وابن خلف الحافظ وغيرهما ، وولد بعد الخمسين والخمسمائة ، وتوفي بمراكش سنة ٦٣٧ (٢) ، رحمه الله تعالى!. انتهى ملخصا.
رجع : ولما ثارت الأندلس على طائفة عبد المؤمن كان الوالي بجزيرة ميورقة أبو يحيى بن أبي عمران التينملي (٣) فأخذها الفرنج منه ، كذا قال ابن سعيد ، وقال ابن الأبار : إنها أخذت يوم الاثنين الرابع عشر من صفر سنة سبع وعشرين وستمائة ، وقال المخزومي في تاريخ ميورقة : إن سبب أخذها من المسلمين أن أميرها في ذلك الوقت محمد بن علي بن موسى كان في الدولة الماضية أحد أعيانها ، ووليها سنة ست وستمائة ، واحتاج إلى الخشب المجلوب من يابسة ، فأنفذ طريدة بحرية وقطعة حربية ، فعلم بها والي طرطوشة ، فجهز إليها من أخذها ، فعظم ذلك على الوالي ، وحدث نفسه بالغزو لبلاد الروم ، وكان ذلك رأيا مشؤوما ، ووقع بينه وبين الروم ، وفي آخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بلغه أن مسطحا من برشلونة ظهر على يابسة ، مركبا وآخر من طرطوشة انضم إليه ، فبعث ولده في عدة قطع إليه حتى نزل [في](٤) مرسى يابسة ، ووجد فيه لأهل جنوة مركبا كبيرا ، فأخذه وسار حتى أشرف على المسطح ، فقاتله وأخذه ، وظن أنه غالب الملوك ، وغاب عنه أنه أشأم من عاقر الناقة (٥) ، وأن الروم لما بلغهم الخبر قالوا لملكهم وهو من ذرية أذفونش : كيف يرضى الملك بهذا الأمر
__________________
(١) في ب «فهي من فروعه».
(٢) في نسخة عند ه «سنة ٦٢٧».
(٣) في ب ، ه «التينمللي» وفي نسخة عند ه «التيفلي».
(٤) كلمة «في» ساقطة من ب وموجودة في أ.
(٥) عاقر الناقة : الذي قتل ناقة صالح عليه الصلاة والسلام ، فكان سببا في دمار قومه ، وكان اسمه قدار ، ويضرب به المثل في الشؤم ؛ فيقال : أشأم من قدار.