ونحن نقاتل بنفوسنا وأموالنا؟ فأخذ عليهم العهد بذلك ، وجمع عشرين ألفا من أهل البلاد ، وجهز في البحر ستة عشر ألفا ، وشرط عليهم حمل السلاح ، وفي سنة ست وعشرين وستمائة اشتهر أمر هذه الغزوة فاستعد لها الوالي ، وميز نيفا على ألف فارس من فرسان الحضر والرعية مثلهم ، ومن الرجالة ثمانية عشر ألفا ، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة ، ومن سوء الاتفاق أن الوالي أمر صاحب شرطته أن يأتيه بأربعة من كبراء المصر ، فساقهم وضرب أعناقهم ، وكان فيهم ابنا خاله ، وخالهما أبو حفص بن سيري ذو المكانة الوجيهة ، فاجتمعت الرعية إلى ابن سيري ، فأخبروه بما نزل ، وعزوه (١) فيمن قتل وقالوا : هذا أمر لا يطاق ، ونحن كل يوم إلى الموت نساق ، وعاهدوه على طلب الثأر ، وأصبح الوالي يوم الجمعة منتصف شوال ، والناس من خوفه في أهوال ، ومن أمر العدو في إهمال ، فأمر صاحب شرطته بإحضار خمسين من أهل الوجاهة والنعمة فأحضرهم ، وإذا بفارس على هيئة النذير دخل إلى الوالي ، وأخبره بأن الروم قد أقبلت ، وأنه عد فوق الأربعين من القلوع ، وما فرغ من إعلامه حتى ورد آخر من جانب آخر وقال : إن أسطول العدو قد تظاهر ، وقال : إنه عد سبعين شراعا ، فصح الأمر عنده ، فسمح لهم بالصفح والعفو ، وعرفهم بخبر العدو ، وأمرهم بالتجهز ، فخرجوا إلى دورهم ، كأنما نشروا من قبورهم ، ثم ورد الخبر بأن العدو قرب من البلد ، فإنهم عدوا مائة وخمسين قلعا ، ولما عبر وقصد المرسى أخرج الوالي جماعة تمنعهم النزول ، فباتوا على المرسى في الرجل والخيل (٢) ، وفي الثامن عشر من شوال ، وهو يوم الاثنين ، وقع المصافّ ، وانهزم المسلمون ، وارتحل النصارى إلى المدينة ، ونزلوا منها على الحربية (٣) الحزينة من جهة باب الكحل ، ولم يزل الأمر في شدة وقد أشرفوا على أخذ البلد ، ولما رأى ابن سيري أن العدو قد استولى على البلد خرج إلى البادية ، ولما كان يوم الجمعة الحادي عشر من صفر قاتلوا البلد قتالا شديدا ، ولما كان يوم الأحد أخذ البلد ، وأخذ منه أربعة وعشرون ألفا قتلوا على دم واحد ، وأخذ الوالي ، وعذب ، وعاش بعد ذلك خمسة وأربعين يوما ، ومات تحت العذاب ، وأما ابن سيري فإنه صعد إلى الجبل ، وهو منيع لا ينال من تحصن فيه ، وجمع عنده سنة عشر ألف مقاتل ، وما زال يقاتل إلى أن قتل يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين
__________________
(١) في أصل ه «وأغروه بمن قتل».
(٢) الرجل : جمع راجل ، وهو المقاتل وليس معه فرس. ويسمون في هذه الأيام : المشاة. وأراد بالخيل : الفرسان.
(٣) في ب «الحريبة الحزينة». والحربية : الغنيمة في الحرب.