وأوطىء الفيلق الجرار أرضهم |
|
حتى يطأطئ رأسا كلّ من رأسا (١) |
وانصر عبيدا بأقصى شرقها شرقت |
|
عيونهم أدمعا تهمي زكا وخسا (٢) |
هم شيعة الأمر وهي الدار قد نهكت |
|
داء متى لم تباشر حسمه انتكسا (٣) |
فاملأ هنيئا لك التأييد ساحتها |
|
جردا سلاهب أو خطّية دعسا (٤) |
واضرب لها موعدا بالفتح ترقبه |
|
لعلّ يوم الأعادي قد أتى وعسى |
فبادر السلطان بإعانتهم (٥) ، وشحن الأساطيل بالمدد إليهم ، من المال والأقوات والكسى ، فوجدوهم في هوّة الحصار ، إلى أن تغلب الطاغية على بلنسية ، ورجع ابن الأبار بأهله إلى تونس ، وكان تغلب العدو على بلنسية صلحا يوم الثلاثاء ، السابع عشر لصفر من سنة ست وثلاثين وستمائة ، فهزّت هذه القصيدة من الملك عطف ارتياح ، وحركت من جنانه أخفض جناح ، ولشغفه بها وحسن موقعها منه أمر شعراء حضرته بمجاوبتها ، فجاوبها غير واحد ، وحال العدو بين بلنسية وبينه ، وتعاهد أهلها مع النصراني على أن يسلمهم في أنفسهم ، وذلك سنة سبع وثلاثين وستمائة ، أعادها الله تعالى للإسلام.
وكانت وقعة كتندة (٦) على المسلمين قبل هذا التاريخ بمدة ، وكتندة ـ يقال «قتندة» بالقاف ـ من حيز دورقة من عمل سرقسطة من الثغر الأعلى ، وكانت الهزيمة على المسلمين جبرهم الله تعالى ، قتل فيها من المطوّعة نحو من عشرين ألفا ، ولم يقتل فيها من العسكر أحد ، وكان على المسلمين الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذي ألّف الفتح باسمه «قلائد العقيان» وكانت سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وممن حضرها الشيخ أبو علي الصدفي السابق الذكر ، وقرينه في الفضل أبو عبد الله بن الفراء خرجا غازيين ، فكانا ممن فقد فيها.
وقال غير واحد : إن العسكر انصرف مفلولا (٧) إلى بلنسية ، وإن القاضي أبا بكر بن العربيّ كان ممن حضرها ، وسئل مخلصه منها عن حاله ، فقال : حال من ترك الخباء والعباء ، وهذا مثل عند المغاربة معروف ، يقال لمن ذهبت ثيابه وخيامه ، بمعنى أنه ذهب جميع ما لديه.
__________________
(١) الفيلق : القطعة العظيمة من الجيش.
(٢) زكا وخسا : أي شفعا ووترا.
(٣) في ج «راء متى لم تباشر جسمها انتكسا».
(٤) الجرد : هنا الخيول. والسلاهب : جمع سلهب وهو الطويل من الخيل. والخطية : الرماح. ودعس : حادة.
(٥) انظر ابن عذاري ٣ / ٣٤٤.
(٦) انظر معجم البلدان ط صادر بيروت ٤ / ٣١٠.
(٧) مفلولا : هنا منهزما.