أسرى وأسير في الآفاق من قمر |
|
ومن نسيم ومن طيف ومن مثل |
وابن حبيش المذكور هو أبو بكر محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش ـ بفتح الحاء وقد عرف به تلميذه ابن رشيد الفهري في رحلته ، فقال بعد كلام : أما النظم فبيده عنانه ، وأما النثر فإن مال إليه توكّف له بنانه ، مع تواضع زائد ، على صلة مخبره عائد ، لقيته بمنزله ليوم أو يومين من مقدمي على تونس ، فتلقى بكل فنّ يونس ، وصادفته بحالة مرض ، من وثء (١) في رجله عرض ، وعنده جملة من العواد ، من الصدور الأمجاد ، فأدنى وقرب ، وسهّل ورحّب ، وتفاوض أولئك الصدور ، في فنون من الأدب كأنها الشذور ، إلى أن خاضوا في الأحاجي ، واستضاءوا بأنوار أفكارهم في تلك الدّياجي (٢) ، فخضت معهم في الحديث ، وأنشدتهم بيتين كنت صنعتهما وأنا حديث ، لقصة بلغتني عن أبي الحسن سهل بن مالك ، وهي أنه كان يسائل أصحابه وهو في المكتب ويقول لهم : أخرجوا اسمي ، فكل ينطق على تقديره ، فيقول لهم : إنكم لم تصيبوه مع أنه سهل ، فنظمت هذا المعنى فقلت : [الوافر]
وما اسم فكّه سهل يسير |
|
يكون مصغّرا نجم يسير (٣) |
مصحّفه له في العين حسن |
|
وقلبي عند صاحبه أسير (٤) |
وكان الشيخ أبو بكر على فراشه ، فزحف مع ما به من ألم ، إلى محبرة وطرس وقلم ، وكتب البيتين بخطه ، وقال للحاضرين : ارووا هذين البيتين عن قائلهما.
ومن شيوخ ابن حبيش المذكور أبو عبد الله بن عسكر المالقيّ ، كتب له ولأخيه أبي الحسين بخطه إجازة جميع ما يجوز له ، وعنه ، وضمن آخرها هذه الأبيات : [الطويل]
أجبتكما لكن مقرّا بأنّني |
|
أقصر فيما رمتما عن مداكما |
فإنّكما بدران في العلم أشرقا |
|
فسلّم إذعانا وقسرا عداكما |
فسيروا على حكم الوداد فإنني |
|
أجود بنفسي أن تكون فداكما |
قال ابن رشيد : وقد جمع صاحبنا أبو العباس الأشعري لابن حبيش فهرسة جامعة (٥) ،
__________________
(١) الوثء : مرض يصيب اللحم لا يبلغ العظم.
أو توجع في العظم بلا كسر.
(٢) الدياجي : الظلمات.
(٣) في ب «يكون مصغرا نجما يسير».
(٤) تصحيفه : شهل : وهو الأزرق العينين.
(٥) في ه «فهرسة لها جامعة».