ودخل العدو لوشة سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، مع السيد أبي محمد البياسي في الفتنة التي كانت بينه وبين العادل ، فعاثوا فيها أشد العيث ، ثم ردها المسلمون إلى أن أخذت بعد ذلك كما يأتي.
ودخل العدو مدينة المريّة يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، عنوة.
وحكى أبو زكريا الجعيدي عن أبي عبد الله بن سعادة الشاطبي المعمر أن أبا مروان بن ورد أتاه في النوم شيخ عظيم الهيئة فرمى يديه في عضديه من خلفه ، وهزه هزا عنيفا حتى أرعبه ، وقال له قل : [الطويل]
ألا أيّها المغرور ويحك لا تنم |
|
فلله في ذا الخلق أمر قد انبهم (١) |
فلا بدّ أن يرزوا بأمر يسوءهم |
|
فقد أحدثوا جرما على حاكم الأمم (٢) |
قال : وكان هذا في سنة أربعين وخمسمائة ، فلم يمض إلا يسير حتى تغلب الروم على المرية في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، بعد تلك الرؤيا بعامين أو نحوهما.
وهو مما حكاه ابن الأبار الحافظ في كتاب «التكملة» له.
وفي وقعة المرية هذه استشهد الرّشاطي (٣) لإمام المشهور ، وهو أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن خلف بن أحمد بن عمر ، اللخمي ، الرشاطي ، المريي ، وكانت له عناية كبيرة (٤) بالحديث والرجال والرواة والتواريخ ، وهو صاحب كتاب «اقتباس الأنوار ، والتماس الأزهار ، في أنساب الصحابة ورواة الآثار» أخذه الناس عنه ، وأحسن فيه ، وجمع وما قصر (٥) ، وهو على أسلوب كتاب أبي سعد بن السمعاني الحافظ المسمى «بالأنساب».
وولد الرّشاطي سنة ٤٦٦ بقرية من أعمال مرسية يقال لها أوريوا له ـ بفتح الهمزة ، وسكون الواو ، وكسر الراء ، وضم المثناة التحتية ، وبعد الألف لام مفتوحة ، وبعدها هاء ـ وتوفي شهيدا بالمرية عند تغلب العدوّ عليها صبيحة الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة ٥٤٢.
والرشاطي ـ بضم الراء ، وفتح الشين المخففة ـ وذكر هو أن أحد أجداده كان في جسمه
__________________
(١) انبهم : غمض.
(٢) حاكم الأمور : الله سبحانه وتعالى.
(٣) انظر ترجمته في وفيات الأعيان ٢ / ٢٩١.
(٤) في وفيات الأعيان «عناية كثيرة».
(٥) في وفيات الأعيان «وما أقصر».