وقال عيسى بن أحمد الرازي : في أيام عنبسة بن سحيم الكلبي قام بأرض جليقية علج (١) خبيث يقال له بلاي من وقعة أخذ النصارى بالأندلس ، وجدّ الفرنج في مدافعة المسلمين عما بقي بأيديهم ، وقد كانوا لا يطمعون في ذلك ، ولقد استولى المسلمون بالأندلس على النصرانية ، وأجلوهم ، وافتتحوا بلادهم ، حتى بلغوا أريولة من أرض الفرنجة ، وافتتحوا بلبلونة (٢) من جليقية ، ولم يبق إلا الصخرة فإنه لاذ بها (٣) ملك يقال له بلاي ، فدخلها في ثلاثمائة رجل ، ولم يزل المسلمون يقاتلونه حتى مات أصحابه جوعا ، وبقي في ثلاثين رجلا وعشر نسوة ، ولا طعام لهم إلا العسل يشتارونه (٤) من خروق بالصخرة فيتقوتون به ، حتى أعيا المسلمين أمرهم ، واحتقروا بهم ، وقالوا : ثلاثون علجا ما عسى أن يجيء منهم؟ فبلغ أمرهم بعد ذلك من القوة والكثرة ما لا خفاء به.
وفي سنة ١٣٣ (٥) أهلك الله تعالى بلاي المذكور ، وملك ابنه فافله بعده ، وكان ملك بلاي تسع عشرة سنة ، وابنه سنتين.
فملك بعدهما أذفونش بن بيطر جد بني أذفونش هؤلاء الذين اتصل ملكهم إلى اليوم ، فأخذوا ما كان المسلمون أخذوه من بلادهم ، انتهى باختصار.
وقال المسعودي بعد ذكره غزوة سمورة أيام الناصر ، ما صورته (٦) : وأخذ ما كان بأيدي المسلمين من ثغور الأندلس مما يلي الفرنجة ، ومدينة أربونة خرجت عن أيدي المسلمين سنة ٣٣٠ (٧) مع غيرها مما كان بأيديهم من المدن والحصون ، وبقي ثغر المسلمين في هذا الوقت وهو سنة ٣٣٦ من شرق الأندلس طرطوشة ، وعلى سائر بحر الروم مما يلي طرطوشة آخذا في الشمال إفراغه على نهر عظيم ثم لا ردة. انتهى.
ومن أول ما استرد الإفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة من يد ابن ذي النون سنة ٤٧٥ ، وفي ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال (٨). [البسيط]
__________________
(١) العلج : الرجل الضخم من كفار العجم ، ويطلق العلج على الكافر مطلقا.
(٢) في ب ، ه «بلبونه».
(٣) لاذ بها : لجأ إليها وعاذ بها.
(٤) اشتار العسل : استخرجه من خلية النحل.
(٥) في ب «وفي سنة ١٣٣ هلك بلاي المذكور».
(٦) مروج الذهب ١ / ١٦٢.
(٧) في مروج الذهب سنة «٣٣٢».
(٨) في أ«المشهور بابن الغسال».