على عدوّه المحشور إليه المحشود ، صبرا على المقام المحمود ، وبيعا من الله تعالى تكون الملائكة فيه الشهود ، حتى يعين يد الله في ذلك البناء [المهدوم بقوة الله و](١) المهدود ، والسواد الأعظم الممدود ، كان على أمريه بالخيار المردود (٢)(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢]. انتهى.
وقال صاحب «مناهج الفكر» بعد وصفه لجزيرة الأندلس وأقطارها ، ما صورته :
ولم تزل هذه الجزيرة منتظمه لمالكها في سلك الانقياد والوفاق ، إلى أن طما بمترفيها سيل العناد والنفاق ، فامتاز كل رئيس منهم بصقع كان مسقط رأسه ، وجعله معقلا يعتصم فيه من المخاوف بأفراسه ، فصار كل منهم يشنّ الغارة على جاره ، ويحاربه في عقر داره ، إن أن ضعفوا عن لقاء عدوّ في الدين يعادي ، ويراوح معاقلهم بالعيث ويغادي (٣) ، حتى لم يبق في أيديهم منها إلا ما هو في ضمان هدنة مقدّرة ، وإتاوة في كل عام على الكبير والصغير مقررة ، كان ذلك في الكتاب مسطورا وقدرا في سابق علم الله مقدورا ، انتهى.
وهذا قاله قبل أن يستولي العدو على جميعها ، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ولنرجع إلى ما كنا بصدده من أخذ النصارى قواعد الأندلس فنقول :
قد قدمنا أوائل هذا الباب أن طليطلة أعادها الله تعالى من أول ما أخذ الكفار من المدن العظام بالأندلس.
قال ابن بسام (٤) : لما توالت على أهل طليطلة الفتن المظلمة ، والحوادث المصطلمة (٥) وترادف عليهم البلاء والجلاء ، واستباح الفرنج لعنهم الله تعالى أموالهم وأرواحهم ، كان من أعجب ما جرى من النوادر الدالة على الخذلان أن الحنطة كانت تقيم عندهم مخزونة خمسين سنة لا تتغير ، ولا يؤثر فيها طول المدة بما يمنع من أكلها ، فلما كانت السنة التي استولى عليها العدوّ فيها لم ترفع الغلة من الأندر (٦) حتى أسرع فيها الفساد ، فعلم الناس أن ذلك بمشيئة الله تعالى لأمر أراده ، من شمول البلوى ، وعموم الضراء ، فاستولى العدوّ على طليطلة ، وأنزل من
__________________
(١) ما بين حاصرتين ساقط من ب.
(٢) في أ«المودود».
(٣) العيث : الإفساد : عاث يعيث عيثا. ويغادي : يأتي باكرا.
(٤) انظر الذخيرة ٢ / ١ : ١٢٧.
(٥) اصطلمه : استأصله.
(٦) الأندر : بوزن الأحمر ـ البيدر.