يستحكمون البلاد ، ويحصدون من فيها غداة واحدة ، ولكني أجعل يومهم معي في حوز بلادهم ، فإن كانت علي اكتفوا بما نالوه ، ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى فيكون في ذلك صون لبلادي ، وجبر لمكاسري ، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن يكون فيّ وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها ، ثم برز بالمختار من جنوده ، وأنجاد جموعه على باب دربه ، وترك بقية جموعه خلفه ، وقال حين نظر إلى ما اختاره منهم : بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء ، فالمقلل يقول : المختارون أربعون ألف دراع ، ولكل واحد أتباع.
أما النصارى فيعجبون ممن يزعم ذلك ، ويرون أنهم أكثر من ذلك كله ، واتفق الكل أن عدد المسلمين أقل من الكفرة ، ورأى الأذفونش في نومه كأنه راكب فيل يضرب نقيرة طبل ، فهالته الرؤيا ، وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد ، فدسّ يهوديا عمن يعلم تأويلها من المسلمين ، فدل (١) على معبّر ، فقصّهما عليه ، ونسبها لنفسه ، فقال له المعبر : كذبت ، ما هذه الرؤيا لك ، ولا أعبرها لك إلا إن صدقتني بصاحب الرؤيا ، فقال له : اكتم علي ، الرؤيا للأذفونش ، فقال المعبّر : صدقت ولا يراها غيره ، والرؤيا تدل على بلاء عظيم ، ومصيبة فادحة فيه وفي عسكره ، وتفسيرها قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [الفيل :
١] وأما ضربه النقيرة فتأويلها (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) [المدثر : ٨ ـ ٩] الآية ، فانصرف اليهودي وذكر للأذفونش ما وافق خاطره ، ثم خرج [الأذفونش ووقف على الدروب ، ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية](٢) من بلاد الأندلس ، وتقدم السلطان يوسف فقصده ، وتأخر ابن عباد لبعض مهماته ، ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ، ورؤساء الأندلس ، وجعل ابنه عبد الله على مقدمته ، وسار وهو ينشد لنفسه متفائلا مكملا البيت المشهور : [مجزوء الكامل]
لابدّ من فرج قريب |
|
يأتيك بالعجب العجيب |
غزو عليك مبارك |
|
سيعود بالفتح القريب |
لله سعدك إنّه |
|
نكس على دين الصليب |
__________________
(١) في الروض «فدل على عابر» ومعبر وعابر بمعنى ، وهو الذي يعبر الرؤيا ويفسرها ويؤولها. وفي القرآن الكريم (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من ج ، وموجود في بقية النسخ وفي الروض.