لابدّ من يوم يكو |
|
ن له أخا يوم القليب (١) |
ووافت الجيوش كلها بطليوس ، فأناخوا بظاهرها ، وخرج إليهم صاحبها المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس ، فلقيهم بما يجب من الضيافات والأقوات وبذل المجهود ، وجاءهم الخبر بشخوص الأذفونش ، ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفا عليهم من مكايد الأذفونش ، إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد ، وجعل يتولى ذلك بنفسه ، حتى قيل : إن الرجل من الصحراويين لا يخرج على طرف المحلة لقضاء أمر أو حاجة إلا ويجد ابن عباد بنفسه مطيفا بالمحلة ، بعد ترتيب الخيل والرجال على أبواب المحلات ، وقد تقدم كتاب السلطان يوسف إلى الأذفونش يدعوه إلى إحدى الثلاث المأمور بها شرعا ، فامتلأ الكافر غيظا ، وعتا ، وطغا ، وراجعه بما يدل على شقائه ، وقامت الأساقفة والرهبان ورفعوا (٢) ، صلبانهم ، ونشروا أناجيلهم ، وتبايعوا على الموت ، ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما ، وقام الفقهاء (٣) والصالحون مقام الوعظ ، وحضوهم على الصبر والثبات ، وحذروهم من الفشل والفرار ، وجاءت الطلائع تخبر أن العدوّ مشرف عليهم صبيحة يومهم ، وهو يوم الأربعاء ، فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافّهم ، فكعّ الأذفونش (٤) ، ورجع إلى إعمال المكر والخديعة ، فعاد الناس إلى محلاتهم ، وباتوا ليلتهم ، ثم أصبح يوم الخميس ، فبعث الأذفونش إلى ابن عباد يقول : غدا يوم الجمعة ، وهو عيدكم ، والأحد عيدنا ، فليكن لقاؤنا بينهما ، وهو يوم السبت ، فعرّف المعتمد بذلك السلطان يوسف ، وأعلمه أنها حيلة منه وخديعة ، وإنما قصده الفتك بنا يوم الجمعة ، فليكن الناس على استعداد له يوم الجمعة كلّ النهار ، وبات الناس ليلتهم على أهبة واحتراس ، وبعد مضيّ جزء من الليل انتبه الفقيه الناسك أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي ـ وكان في محلة ابن عباد ـ فرحا مسرورا يقول : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في النوم فبشره بالفتح والموت على الشهادة في صبيحة تلك الليلة ، فتأهب ودعا وتضرع ودهن رأسه وتطيب ، وانتهى ذلك إلى ابن عباد ، فبعث إلى يوسف يخبره بها تحقيقا لما توقعه من غدر الكافر بالله تعالى ، ثم جاء بالليل فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة الأذفونش وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ، ثم تلاحق بقية الطلائع متحققين بتحرك الأذفونش ، ثم جاءت الجواسيس من داخل محلتهم تقول :
__________________
(١) القليب : البئر ، وأراد بيوم القليب يوم بدر بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي مكة ، وانتصر فيه الرسول الكريم.
(٢) في الروض «فرفعوا».
(٣) في ه «وأقام الفقهاء».
(٤) كعّ الأذفونش : جبن وخار.