وتغلبّ الحق على الزيف .. في أرض كربلاء ، في هجير الصحراء ، وقد منعوا حتّى الطفل الرضيع من شربة الماء!.
لقد علّمنا الحسين عليهالسلام كيف أن الموت الهادف يصنع الحياة ، وأن الألم الواعي يهب الحرية والإباء ، وأن حياة الذل والهوان لا تجتمع مع العقيدة والإيمان.
ولقد عملت على وضع هذه الموسوعة السنية ، وعمدت إلى جعلها حفيّة وفيّة ، لتكون لقلب كل حرّ روضة غنيّة ، يقطف من دوحتها ثمارا جنيّة ، وقطوفا حسنة وحسينية ، وينهل من نبعها الطامي كأسا فاطمية وعلوية ، فتعود مهجته بها زاكية أبيّة ، وترجع نفسه بولائها راضية مرضيّة.
إن دروس الحسين عليهالسلام دروس عميقة بالغة الأثر والتأثير ، تعلمنا ـ إضافة لدروس التضحية والبطولة والفداء ـ أن ننظر إلى الأمور نظرة بعيدة مديدة ، عميقة محيطة مترامية ، فيكون جهادنا وفداؤنا قربانا للأجيال المتحدّرة والأحقاب المتلاحقة ، لا أن يكون قربانا عابرا ، يستهدف اللحظة الراهنة.
ثم تعلمنا بالاضافة لذلك أن لا يكون إيماننا مجرد إيمان فكريّ نظري لا يستند إلى واقع عملي ، وإنما أن يكون واقعا وتطبيقا ودفاعا وتضحية في سبيل المثل الأعلى ..
ثم تعلمنا أن نستهين بالمصاعب والمصائب مهما عظمت ، ونمحو من خلدنا فكرة المستحيلات ، بما نتسلح به من إرادة قوية مؤمنة وتصميم حازم أكيد.
وما أظن أن إنسانا في مسرح التاريخ والبطولة ، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية ، والمواهب الفريدة النادرة ـ غير الإمام الحسين عليهالسلام ـ ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام ، فيصدّع مسيرة الكفر المتقدمة ، ويسحق زحوف النفاق المتفجرة ، ويعيد للرسالة المحمدية قدسيتها المفقودة وهيبتها المنهوبة ، وقد أوشكت على الإنطفاء شعلتها ، وعلى الغروب مقلتها. فأيقظ النفوس وأهاج الأرواح ، لتستبصر واقع أمرها ، وتضطلع بالمسؤوليات المترتبة عليها ، فتسترخص بالنفس والنفيس في سبيل الحق ، وتحمي صرح الكرامة مهما كلّفها ذلك من تضحيات ، وتروّي نبتة الفضيلة بدمائها غير عابئة بالموت.