(قال) : إن عدم معرفة بعض مؤرخينا بحقيقة الحال ، أوجب أن ينسبوا في كتبهم طريقة إقامة الشيعة لعزاء الحسين إلى الجنون. ولكن جهلوا مقدار تغيير هذه المسألة وتبديلها في الإسلام ، فإنا لم نر في سائر الأقوام ما نراه في شيعة الحسين من الحسّيات السياسية والثورات المذهبية ، بسبب إقامة عزاء الحسين. وكل من أمعن النظر في رقي شيعة علي الذين جعلوا إقامة عزاء الحسين شعارهم في مدة مئة سنة ، يذعن أنهم فازوا بأعظم الرقي ، فإنه لم يكن قبل مئة سنة من شيعة علي والحسين في الهند إلا ما يعدّ على الأصابع ، واليوم هم في الدرجة الثالثة من حيث الجمعية إذا قيسوا بغيرهم ، وكذلك هم في سائر نقاط الأرض. وإذا قسنا دعاتنا مع تلك المصاريف الباهظة والقوة الهائلة ، والشيعة ترى دعاتنا لم يحظوا بعشر ترقّيات هذه الفرقة ، وإن كان قسسنا يحزّنون القلوب بذكر مصائب المسيح ، ولكن لا بذلك الشكل والأسلوب المتداول بين شيعة الحسين ، ويغلب على الظن أن سبب ذلك هو أن مصائب الحسين أشد حزنا وأعظم تأثيرا من مصائب المسيح. فعلى مؤرخينا أن يعرفوا حقيقة رسوم الأغيار وعاداتهم ولا ينسبوها إلى الجنون. وإني أعتقد بأن بقاء القانون الإسلامي وظهور الديانة الإسلامية وترقي المسلمين هو مسبّب عن قتل الحسين ، وحدوث تلك الوقائع المحزنة. وهكذا ما تراه اليوم بين المسلمين من حسن السياسة وإباء الضيم ، ما هو إلا بواسطة عزاء الحسين. وما دامت في المسلمين هذه الملكة والصفة ، لا يقبلون ذلا ولا يدخلون في أسر أحد.
ينبغي لنا أن ندقق النظر فيما يذكر من النكات الدقيقة الحيوية في مجالس إقامة عزاء الحسين ، ولقد حضرت دفعات في المجالس التي يذكر فيها عزاء الحسين في (إسلامبول) مع مترجم ، وسمعتهم يقولون : الحسين الّذي كان إمامنا ومقتدانا ومن تجب طاعته ومتابعته علينا ، لم يتحمل الضيم ولم يدخل في طاعة يزيد ، وجاد بنفسه وعياله وأولاده وأمواله في سبيل حفظ شرفه وعلو حسبه ومقامه ، وفاز في مقابل ذلك بحسن الذكر والصيت في الدنيا والشفاعة يوم القيامة والقرب من الله ، وأعداؤه قد خسروا الدنيا والآخرة. فرأيت بعد ذلك وعلمت أنهم في الحقيقة يدرّس بعضهم علنا ، بأنكم إن كنتم من شيعة الحسين وأصحاب شرف ، إن كنتم تطلبون السيادة والفخر ، فلا تدخلوا في طاعة أمثال يزيد ، ولا تتحملوا الذل ، بل اختاروا الموت بعزّة على الحياة بذلة ، حتّى تفوزوا بحسن الذكر في الدنيا والآخرة وتحظوا بالفلاح.