قال هشام بن محمّد : ثم إن حسين عليهالسلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له : يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.
فقال : هذه كتبهم ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.
فبكى ابن عباس ، وقال : وا حسيناه.
وأورد المقرّم في مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :
وقال ابن عباس للحسين عليهالسلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ، فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا وشعابا (١) وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب في عافية.
فقال الحسين عليهالسلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسين عليهالسلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة (٢).
(وفي رواية) قال ابن عباس : استشارني الحسين عليهالسلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت بيدي في رأسك. فقال عليهالسلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).
وفي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين عليهالسلام ص
__________________
(١) روى بعض هذا الكلام أبو مخنف في مقتله ، ص ٤١.
(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ ؛ وفي القاموس المحيط وتاج العروس : الفرام دواء تضيّق به المرأة المسلك. وفي لواعج الأشجان للأمين ص ٧٤ : الفرام هو خرقة الحيض.