فقد مات ناصرك». (راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢ ص ٢٩ ط ٢ مصر)
ولقد كان أبو طالب عليهالسلام من أول المؤمنين بالدعوة الجديدة ، يدلنا على ذلك استمرار حمايته للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يصل إليه أي أذى من المشركين ، ومقاطعته لكل قريش من أجل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعوته. إلا أن الظروف الخاصة كانت تفرض عليه أن يكتم إيمانه ، فكان أبو طالب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل (حزقيل) مؤمن آل فرعون ، الّذي كان يكتم إيمانه.
يقول الإمام عليّ عليهالسلام : «كان والله أبو طالب مؤمنا مسلما ، يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش».
وحين كان المشركون يسألون أبا طالب عن دينه ، كان يحسن التخلص ويقول لهم : «إنني على ملةّ أبي ، عبد المطلب». علما بأن عبد المطلّب وهاشم وجميع آباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجداده ، كانوا مسلمين موحّدين على دين إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وليسوا مشركين كغيرهم من قريش ، إذ هم من الذرية المختارة التي اصطفاها الله على العالمين في قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ...) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣].
ولا أدلّ على إيمان أبي طالب العميق بالدعوة الإسلامية ، من تربيته لأولاده كلهم على مبادئ الإسلام والشهادة ، حتّى كانوا خير سند للإمام الحسين عليهالسلام حين قام يدافع عن حوزة الإسلام ومبادئه ، التي كادت تداس وتندثر ، وأظهروا من آيات البطولة ما لم يشهد له مثيل. ولا عجب في ذلك إذا كانوا من نسل أبي طالب الّذي قال فيه النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلّهم كانوا شجعانا».
ولهذا الموقف النبيل الّذي لا يعرف الحدود ، أحبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يردّ لأبي طالب بعض المعروف في كفالته وتربيته ونصرته ، فعندما حصلت مجاعة في مكة ، وكان أبو طالب فقيرا وكثير العيال ، وكان علي عليهالسلام قد أدرك سن التمييز ، فاجتمع أهل البيت ليخففوا عن أبي طالب عياله ، فقال لهم : اتركوا لي عقيلا واصنعوا ما شئتم. فأخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا ، وأخذ حمزة جعفرا ، وأخذ العباس طالبا. فكان علي عليهالسلام ربيب الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم.