.........................................
____________________________________
فتفرّقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام.
فلمّا تفرّق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنّا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس ، لأنّ الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى.
فركبنا دوابّنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مَدْيَن على طريقنا إلى المدينة أنّ ابنيَ أبي تراب الساحرين : محمّد بن علي وجعفر بن محمّد الكذّابين ـ بل هو الكذّاب لعنه الله ـ فيما يظهران من الإسلام وردا عليّ ولمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسّيسين والرهبان من كفّار النصارى وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الإسلام إلى الكفر دين النصارى وتقرّبا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن اُنكّل بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس : برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلّم عليهما فإنّهما قد ارتدّا عن الإسلام ، ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ومن معهما شرّ قتلة ، قال : فورد البريد إلى مدينة مدين.
فلمّا شارفنا مدينة مدين قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلاً ويشرو الدوابّنا علفاً ، ولنا طعاماً ، فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا : لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفّار يا مشركين يا مرتدّين يا كذّابين يا شرّ الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتّى انتهينا إليهم فكلّمهم أبي وليّن لهم القول وقال لهم : اتّقوا الله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون فاسمعونا.