الْكَاذِبِينَ ﴾ (١) ، أي ليتحقق إبلاغ رسالات الله على ما هي عليه من غير تبديل ولا تغيير ، وهو ـ أي تحقق الإبلاغ على ما هو عليه ـ يتوقف على جعل الرصد والحفظة عليه في المراحل الثلاث جميعها : الأخذ والوعي والإبلاغ .
والثانية ، قوله : ( وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ . فإنّها أيضاً جملة مؤكدة لجعل الحراسة ، ومعناها أنّه سبحانه يحيط بما لدى الأنبياء من الوحي ، فيكون في أمانٍ من تطرّق التحريف .
وأمّا قوله : ( وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) ، فَمَسوقٌ لإفادة عموم علمه بكلِّ شيء ، من غير فرق بَيْنَ الوحي المُلْقى إلى الرسول وغيره .
وخلاصة الكلام : إنّ الوحي كالماء الصافي الزلال ، المنحدر من معينه ، ينزل من مصدره وهو خزائن علم الله تعالى ، إلى النبي ، ومنه إلى الناس ، من دون أن يتطرق إليه التحريف والتبديل من جانب الشياطين أو القوى النفسانية في النبي ، بل يصل كما صدر بلا أدنى تغيير .
قال العلامة الطباطبائي ، بعد بحثه في مفردات الآية على غرار ما ذكرناه : « إنّ الرسول مؤيَّدٌ بالعصمة في أخذ الوحي من ربّه ، وفي حفظه ، وفي تبليغه إلى الناس ، مصونٌ من الخطأ في الجهات الثلاث جميعاً . لما مرّ من دلالة الآية على أنّ ما نزّل الله من دينه على الناس من طريق الوحي ، مصون في جميع مراحله إلى أن ينتهي إلى الناس . ومن مراحله ، مرحلة أخذ الوحي وحفظه وتبليغه ، والتبليغ يعمّ القول والفعل ، فإنّ في الفعل تبليغاً ، كما في القول . فالرسول معصوم عن المعصية باقتراف المحرمات وترك الواجبات الدينية ، لأنّ في ذلك تبليغاً لما يناقض الدين . فهو معصوم من فعل المعصية ، كما أنّه معصوم من الخطأ في أخذ الوحي وحفظه وتبليغه قولاً » (٢) .
وفي ضوء هذه الآية الكريمة يمكن القول بأنّ مصونية الأنبياء عن الخطأ
__________________
(١) سورة العنكبوت : الآية ٣ .
(٢) الميزان في تفسير القرآن ، ج ٢٠ ، ص ١٣٣ .