أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة ، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمّت أربعون ، أخطأ موسى ربّه ، وقد أتاكم ربّكم ، أراد أن يريكم أنّه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنّه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلهنا؟
قال لهم : إنّما هذا العجل مكلّمكم منه ربّكم كما كلّم موسى من الشجرة ، فالإله في العجل كما كان في الشجرة ، فضلّوا بذلك وأضلّوا.
فقال موسى عليهالسلام : يا أيها العجل ، أكان فيك ربّنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل ، وقال : عزّ ربّنا عن أن يكون العجل حاويا له ، أو شيء من الشجر والأمكنة عليه مشتملا ، ولا له حاويا ، لا ـ والله ، يا موسى ـ ولكنّ السامريّ نصب عجلا مؤخّره إلى الحائط ، وحفر في الجانب الآخر في الأرض ، وأجلس فيه بعض مردته ، فهو الذي وضع فاه على دبره ، وتكلّم لمّا قال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(١) يا موسى بن عمران ، ما خذل هؤلاء بعبادتي واتّخاذي إلها إلا بتهاونهم بالصّلاة على محمد وآله الطيبين ، وجحودهم بموالاتهم ، ونبوّة النبيّ ووصيّة الوصيّ حتى أدّاهم إلى أن اتّخذوني إلها.
قال الله تعالى : فإذا كان الله تعالى إنّما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيّه عليّ ، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعليّ وقد شاهدتموهما ، وتبيّنتم آياتهما ودلائلهما؟
ثمّ قال الله عزوجل : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل ، لعلكم ـ يا أيها الكائنون في عصر
__________________
(١) طه : ٨٨.