فقال عزوجل : يا محمّد (أَفَتَطْمَعُونَ) أنت وأصحابك من عليّ وآله الطيّبين (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم ، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ويصدّقوكم بقلوبهم ، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.
(وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) في أصل جبل طور سيناء ، وأوامره ونواهيه (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) عمّا سمعوه ، إذا أدّوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم في قيلهم كاذبون.
وذلك أنّهم لمّا صاروا مع موسى إلى الجبل ، فسمعوا كلام الله ، ووقفوا على أوامره ونواهيه ، رجعوا فأدّوه إلى من بعدهم فشقّ عليهم ، فأمّا المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم ، وصدقوا في نيّاتهم ، وأمّا أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه القصّة ، فإنّهم قالوا لبني إسرائيل : إنّ الله تعالى قال لنا هذا ، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا ، وأتبع ذلك بأنّكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه ، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه ، وهم يعلمون أنّهم بقولهم هذا كاذبون.
ثمّ أظهر الله على نفاقهم الآخر مع جهلهم ، فقال الله عزوجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذرّ وعمّارا ، قالوا : آمنّا كإيمانكم ، آمنّا بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مقرونة بالإيمان بإمامة أخيه عليّ بن أبي طالب ، وبأنّه أخوه الهادي ، ووزيره الموالي ، وخليفته على أمّته ، ومنجز عدته ، والوافي بذمّته ، والناهض بأعباء سياسته ، وقيّم الخلق ، الذائد لهم عن سخط الرّحمن ، الموجب لهم ـ إن أطاعوه ـ رضا الرّحمن ، وأنّ خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة ، والأقمار المنيرة ، والشّمس المضيئة الباهرة ، وأنّ