فكيف يظلم الله ، ومن هؤلاء الظلمة؟
وأجده يقول : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(١) فما هذه الواحدة؟
وأجده يقول : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(٢) ، وقد أرى مخالفي الإسلام معتكفين على باطلهم غير مقلعين عنه ، وأرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا ، فأيّ موضع للرحمة العامة لهم ، المشتملة عليهم؟
وأجده قد بيّن فصل نبيه على سائر الأنبياء ، ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانخفاض محله ، وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء ، مثل قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٣) وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً)(٤) ، وقوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)(٥) ، وقوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)(٦) ، وقال : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٧) ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(٨) فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام المبين وهو وصيّ النبي ، فالنبيّ أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) وهذه كلّها صفات مختلفة ، وأحوال متناقضة ، وأمور مشكلة ، فإن يكن الرسول والكتاب حقا ، فقد هلكت لشكّي في ذلك ، وإن كانا باطلين فما علي من بأس!
__________________
(١) سبأ : ٤٦.
(٢) الأنبياء : ١٠٧.
(٣) الأنعام : ٣٥.
(٤) الإسراء : ٧٤ ، ٧٥.
(٥) الأحزاب : ٣٧.
(٦) الأحقاف : ٩.
(٧) الأنعام : ٣٨.
(٨) يس : ١٢.