شرحت لك كل ما أسقط حرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ، فظهر ما تحظر التقيّة إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء.
وأما قوله : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١) ، فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم ، ولكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه ، وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده ، وأن ظلمهم ظلمه ، بقوله : (وَما ظَلَمُونا) ببغضهم أولياءنا ، ومعونة أعداءهم عليهم ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) إذ حرموها الجنّة ، وأوجبوا عليها خلوة النار.
وأما قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(٢) ، فإنّ الله جل ذكره أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ، ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا ، لأمنائه ، وإيجابا للحجة على خلقه ، فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله ، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوة والشهادة له بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات ، وما يجري مجراها من مال الفيء ، فقال المنافقون : هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شيء آخر يفترضه ، فتذكره لتسكن أنفسنا أنه لم يبق غيره؟ فأنزل الله في ذلك (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) يعني الولاية ، وأنزل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٣) ، وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل واحد ، لو ذكر
__________________
(١) البقرة : ٥٧.
(٢) سبأ : ٤٦.
(٣) المائدة : ٥٥.