موسى هارون حيث قال له : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)(١) ، ولو قال لهم : لا تقلّدوا الإمامة إلّا فلانا بعينه وإلا نزل بكم العذاب ، لأتاهم العذاب ، وزال باب الإنظار والإمهال.
وبما أمر بسدّ باب الجميع وترك بابه ، ثم قال : ما سددت ولا تركت ، ولكني أمرت فأطعت. فقالوا : سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا بابه! فأمّا ما ذكروه من حداثة سنّه ، فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى عليهالسلام أن يعهد بالوصية إليه وهو في سن ابن سبع سنين ، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته ، وإنما فعل ذلك جلّ ذكره لعلمه بعاقبة الأمور ، وأن وصيّه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا.
وبأن عمد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيّه ، وأمره بقراءتها على أهل مكّة ، فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيّه ، وأمره بارتجاعها منه والنفوذ إلى مكّة ليقرأها على أهلها ، وقال : إن الله جلّ جلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني ، دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة اختارته على وصيّه ، ثم شفّع ذلك بضمّ الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ومن يؤازره في تقدّم المحل عند الأمّة إلى علم النفاق عمرو ابن العاص في غزاة ذات السلاسل وولاهما عمرو حرس عسكره ، وختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد ، وأمرهما بطاعته والتصريف بين أمره ونهيه ، وكان آخر ما عهد به في أمر أمته ، قوله : أنفذوا جيش أسامة ، يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين.
ولو عددت كل ما كان من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في إظهار معايب المستولين
__________________
(١) الأعراف : ١٤٢.