على تراثه لطال ، وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمّة ومستقيلا لما تقلده لقصور معرفته عن تأويل ما كان يسأل عنه ، وجهله بما يأتي ويذر ، ثم أقام على ظلمه ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره ، فأتى التالي بتسفيه رأيه ، والقدح والطعن على أحكامه ، ورفع السيف عمّن كان صاحبه وضعه عليه ، ورد النساء اللاتي كان سباهنّ إلى أزواجهنّ وبعضهن حوامل ، وقوله : قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي : إنك لحدب على أهل الكفر ، وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم ، ولم يزل يخطئه ويظهر الإزراء عليه ويقول على المنبر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ، وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا : ليته حسنة من حسناته ، ويود أنه كان شعرة في صدره ، وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام.
وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والإلحاد والبغي والفساد حتى تقرر على إرادته ما لم يخف على ذي لبّ موضع ضرره ، ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل ، فعاجلته بالقتل ، فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.
كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله تبارك وتعالى لعدوّه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحقّ القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحق الذي بينه الله تعالى في كتابه بقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(١) ، وذلك إذا لم يبق
__________________
(١) النور : ٥٥.