فيقتلوه ، ولو أنه في جماهير أصحابه ، لا يبالون بما آتاهم به الدهر ، فلمّا حضروه وكثروا وكانوا بين يديه ، قال لهم رؤساؤهم ـ وقد واطؤوا عوامّهم على أنهم إذا أفحموا محمّدا وضعوا عليه سيوفهم ، فقال رؤساؤهم ـ : يا محمد ، جئت تزعم أنك رسول ربّ العالمين نظير موسى وسائر الأنبياء المتقدّمين؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا قولي : إنّي رسول الله فنعم ، وأمّا أن أقول : إنّي نظير موسى وسائر الأنبياء ، فما أقول هذا ، وما كنت لأصغّر ما عظّمه الله تعالى من قدري ، بل قال ربّي : يا محمّد ، إنّ فضلك على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين كفضلي ـ وأنا ربّ العزّة ـ على سائر الخلق أجمعين ؛ وكذلك ما قال الله تعالى لموسى لمّا ظنّ أنّه قد فضّله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود ، وهمّوا بقتله ، فذهبوا يسلّون سيوفهم فما منهم أحد إلّا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف ، يابسا لا يقدر أن يحرّكهما وتحيّروا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ورأى ما بهم من الحيرة ـ : لا تجزعوا ، فخير أراده الله بكم ، منعكم من التوثّب (١) على وليّه ، وحبسكم على استماع حججه في نبوّة محمّد ووصيّة أخيه عليّ.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : معاشر اليهود ، هؤلاء رؤساؤكم كافرون ، ولأموالكم محتجبون ، ولحقوقكم باخسون ، ولكم ـ في قسمة من بعد ما اقتطعوه ظالمون ، يخفضون فيرفعون.
فقالت رؤساء اليهود : حدّث عن موضع الحجّة ، أحجّة نبوّتك ووصيّة
__________________
(١) وقيل : الوثوب.