ووقتها استحبابا عند غسل كفّيه المستحب ، ووجوبا عند ابتداء أول جزء من غسل الوجه ،
______________________________________________________
قوله : ( ووقتها استحبابا عند غسل كفيه المستحب ).
لا يخفى أن محل النيّة عند أول العبادة ، لأنها لو تقدمت عليه لكانت عزما ، ولو تأخرت عنه خلا بعض العبادة عن النيّة ، وأول واجبات الوضوء الذي يتصور إيقاع النية عنده أول غسل الوجه ، فلا يجوز تأخيرها عنه.
وأما غسل اليدين ، والمضمضة والاستنشاق ، فإنها لما كانت من الأفعال المستحبة ، كان أول الوضوء الكامل عند غسل اليدين ، فيكون إيقاع النيّة عنده جائزا ، بل مستحبا ، ليتحقق بها كون الغسل والمضمضة والاستنشاق مستحبة ، إذ لو خلت من النيّة لم يقع من مستحبات الوضوء ، ولا ينافي استحباب النية حينئذ كونها واجبة على معنى التوسعة ، لأن أول وقت الموسّع أفضل من غيره ، كقضاء الصلوات الواجبة فإن أوله أفضل مع ثبوت الوجوب.
وقيد الغسل بكونه مستحبا ، إذ لا يكون من أفعال الوضوء إلا مع الاستحباب ، ومراده استحبابه للوضوء ، كما يشعر به السياق ، ويرشد إليه التعليل ، فلو وجب الغسل لنحو إزالة النجاسة ، أو حرم لصيرورة ماء الطهارة بسببه قاصرا عنها ، أو كره لتوهم قصوره مع ظن العدم ، أو أبيح كأن تتوضأ من كر فصاعدا أو مما لا يمكن الاغتراف منه.
واحتمل في الذكرى (١) الاستحباب هنا ، لحصول مقصود الغسل بالإضافة إلى باقي الأعضاء ، أو لم يكن الوضوء من حدث النوم ، والبول ، والغائط ، أو استحب لغير الوضوء مما يتعلق به كالغسل للاستنجاء ، أو لما لا يتعلق به كالغسل للأكل لم يجز إيقاع النيّة في شيء من هذه المواضع ، لانتفاء كونه من أفعال الوضوء.
واعلم أن قوله : ( استحبابا ) منصوب على التمييز ، وكذا قوله ( وجوبا ) ، وأراد بالوجوب فيه المضيق الذي لا يجوز التأخير عنه ، و ( ابتداء ) في قوله : ( عند ابتداء أول جزء من غسل الوجه ) مستدرك ، مع أنه ليس لأول جزء من غسل الوجه ابتداء.
واعلم أيضا أنه لما كان إدخال جزء من الرأس في غسل الوجه واجبا من باب
__________________
(١) الذكرى : ٩٣.