ومن طريف ما وقع له في مجلس السلطان أن في عصره الشريف ورد سفير مقرّب من جهة سلطان الروم على حضرة ذلك السلطان الموسوم ، فاتّفق ان اجتمع به يوما جناب شيخنا المعظّم المحقّق الكركيّ في مجلس الملك ، فلمّا عرفه السفير أراد أن يفتح عليه باب الجدل ، فقال : يا شيخ إنّ مادة تأريخ مذهبكم واختراع طريقتكم ( ٩٠٦ ) ( مذهب ناحق ) وهو أوّل سلطنة الصفوية أي مذهب غير حق وفيه إشارة إلى بطلان طريقتكم. فالهم الشيخ في الجواب وقال ارتجالا وبديهة : بل نحن قوم من العرب ، وألسنتنا تجري على لغتهم. لا على لغة العجم ، وعليه فمتى أضفت المذهب إلى ضمير المتكلّم يصير الكلام ( مذهبنا حق ) فبهت الذي كفر وبقي كأنّما ألقم الحجر (١).
وللشيخ رأي في معاملة علماء أهل السنة فقد كان يعارض الضغط السياسي واستعمال القوّة ضدهم ، وكان يأمل أن يلتئم شمل المسلمين بالحجّة والبرهان.
ويوضّح ذلك موقفه من مقتل المولى سيف الدين التفتازاني في هراة ، فقد ذكر الشيخ النوري أنّ الشيخ « سافر إلى بلاد العجم في زمن سلطنة الشاه إسماعيل سنة غلبة السلطان على الشاه بيك خان ملك الاوزبك ، وذلك بعد ظهور دولته بعشر سنين ، وبعد دخوله هرات دخل عليه الشيخ بها واتّصل بصحبته ، وكان المولى سيف الدين أحمد بن يحيى بن محمد بن المولى سعد الدين التفتازاني المعروف يومئذ شيخ الإسلام بها. قال الميرزا بيك المنشئ الجنابذي المعاصر للشاة عباس الماضي في تأريخه كما في الرياض أنّ المولى سيف الدين المذكور قد كان في جملة علماء السنّة الذين جمعوا في دارة الامارة بهراة لتعيين المنزل لحضرة الشاه إسماعيل الماضي الصفويّ يوم وصل خبر فتحه إلى هرات وغلبته على شاه بيك خان ملك الاوزبيك وقهره وقتله ، ثمّ قال : إنّ السلطان شاه إسماعيل أمر بقتل المولى سيف الدين أحمد بن يحيى المذكور لأجل تعصّبه في مذهب التسنّن فقتل ، وقد دخل على هرات خاتم المجتهدين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي واعترض
__________________
(١) الفوائد الرضوية : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.